الشباك الوحيد للاستثمار… تفعيل سلطة القرار لكسر قيود الإدارة والإنتظار

استثمار

أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الأحد الفارط، الحكومة بتنصيب وتفعيل الشباك الوحيد الخاص بالاستثمار في غضون شهر، مشددًا على أن هذا الجهاز سيكون “سلطة قرار” لا صلة لها بالتسيير الإداري، سواء كان مركزيًا أو غير مركزي.

ويأتي هذا القرار لتجسيد المرحلة الثانية من إصلاح منظومة الاستثمار، وتسريع وتيرة المشاريع من خلال إنهاء العراقيل البيروقراطية التي ظلت تعطل ديناميكية الاستثمار في البلاد.

ولطالما شكّلت البيروقراطية واحدة من أبرز العقبات أمام المستثمرين في الجزائر، حيث ظلّت التراخيص والموافقات تمرّ عبر مسارات إدارية معقّدة وطويلة، ما أدى إلى تعطيل مشاريع عديدة وضياع فرص تنموية حقيقية. وفي هذا السياق، برزت الحاجة إلى هيكل مؤسسي عملي قادر على استيعاب ملفات الاستثمار وفصلها عن دواليب الإدارة التقليدية.

قرار رئيس الجمهورية بتنصيب الشباك الوحيد كهيئة تملك سلطة القرار يعكس تحوّلًا جوهريًا في فلسفة تسيير الاستثمار، قوامه السرعة والفعالية وتجاوز الحواجز الإدارية التي لطالما أثقلت كاهل المستثمرين المحليين والأجانب.

وباعتباره هيئة تنفيذية تابعة للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، فإن الشباك الوحيد سيضم ممثلين عن مختلف الإدارات المعنية (العقارات، الضرائب، البيئة، الجمارك…) يتمتعون بكامل الصلاحيات لتقديم التراخيص والبت في الملفات دون الحاجة للرجوع إلى المركز أو الوزارة الوصية، ما يُنهي عمليًا مركزية القرار ويمنح المستثمر الثقة والوضوح.

شباك واحد… مدخل جديد لتسريع الاستثمار

الشباك الوحيد، في صيغته الجديدة، يُستحدث كهيئة سيادية على مستوى الاستثمار، تملك صلاحيات حقيقية لتسيير الملفات واتخاذ القرار النهائي بشأنها. وتتمثل مهمته الجوهرية في تسهيل الإجراءات وتذليل العقبات الإدارية التي كانت تُعيق انطلاقة المشاريع، سواء بسبب تعدد المتدخلين أو تضارب الصلاحيات.

ووفق بيان مجلس الوزراء، فإن عمل الشباك سيتعلق “بالفعل الاستثماري الخالص”، أي بكافة الجوانب التقنية والعملية المتعلقة بالمشروع الاستثماري، بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية. وبذلك، يصبح الشباك الموحد نقطة التقاء لكل الإدارات، حيث يُمثل كل قطاع من خلال مندوبه الذي يمتلك صلاحيات كاملة للتوقيع والمصادقة دون انتظار.

هذا النموذج يُمكّن المستثمر من إيداع ملفه وتتبع مراحله، من الدراسة إلى الترخيص، في مكان واحد، وفي آجال محددة، ما يختصر المسافة بين الفكرة والتنفيذ، ويُعيد الثقة بين الدولة والمستثمرين.

مكافحة البيروقراطية بالمؤسسات… لا بالتصريحات

ومن خلال تحويل الشباك الوحيد إلى سلطة قرار حقيقية، يُترجم التوجه الجديد للدولة في محاربة البيروقراطية إلى آليات مؤسساتية، لا مجرد نوايا أو شعارات. فالمرحلة القادمة، وفق ما تم التصريح به، ستشهد تنفيذًا فعليًا للإصلاحات القانونية التي سبق أن أُقرت في إطار قانون الاستثمار الجديد، لكن هذه المرة مع آليات تطبيق واقعية وملموسة.

ويُتوقع أن يُحدث هذا التحول أثرًا مباشرًا على مناخ الأعمال، من خلال تحسين ترتيب الجزائر في مؤشرات جذب الاستثمار، ورفع نسبة المشاريع المنجزة فعليًا مقارنة بالملفات المودعة. كما سيساعد في خلق مناخ أكثر تنافسية، يقلل من التدخلات الشخصية، ويمنع تعطيل المشاريع بسبب المزاج الإداري أو الضغوط الجانبية.

إن تحويل الشباك الوحيد إلى “سلطة قرار” سيقطع ممارسات بيروقراطية قديمة، ويؤسس لفهم جديد للإدارة الاقتصادية، تكون فيه المؤسسة العمومية خادمة للفعل التنموي، لا عائقًا أمامه.

المرحلة الثانية من الإصلاح… هل تنجح في كسب رهان التطبيق؟

يرتبط نجاح الشباك الوحيد فعليًا بمدى توفر الإرادة التنفيذية لمرافقته في الميدان، وتوفير الإمكانيات البشرية والتقنية التي تجعله قادرًا على تحمل العبء الجديد. فليس من السهل الانتقال من جهاز إداري تشاوري إلى جهاز فاعل ذي قرار مباشر دون دعم سياسي وإداري متكامل.

كما أن هذه الهيئة تحتاج إلى منظومة معلوماتية شفافة، وآجال مضبوطة قانونًا للرد على المستثمرين، إضافة إلى آليات تقييم دوري لأدائها. ومع إعلان مجلس الوزراء أن المرحلة الحالية هي تنفيذ للمرحلة الثانية من إصلاح الاستثمار، فإن هذا يقتضي المرور من النص إلى التطبيق، ومن الهيكل إلى النتائج.

ويراهن رئيس الجمهورية من خلال تفعيل الشباك الوحيد على استعادة الثقة بين الدولة والمستثمر، وتحقيق قفزة نوعية في مناخ الأعمال، وجعل الجزائر وجهة جاذبة للاستثمار في المنطقة. وإذا ما تم تنفيذ هذا القرار بروح الجدية والرقابة، فقد يشكل الشباك نقطة تحول في الاقتصاد الوطني.

غير أن طريق الإصلاح الحقيقي يتطلب المتابعة الصارمة، وتقييم الأداء، وضمان استمرارية الفعالية. وفي انتظار دخول الشباك الخدمة، يبقى الأمل معقودًا على أن تكون هذه الهيئة أداة فعل حقيقية لتجسيد التنمية على أرض الواقع.