تقدر مساحة الجزائر ب 238 مليون هكتار 80% منها صحراء غنية بالمياه الجوفية، مما يسهل عليها علميا تحقيق رهان الأمن الغذائي. وفقًا لدراسات متعددة، تشير التقديرات إلى أن هذه المياه تكفي لمئات السنين وقابلة للتجديد، مما يفتح الباب أمام إمكانية استصلاح مليون هكتار مسقي في الصحراء. أما في الشمال، حيث تتنوع التضاريس بين جبال وسهول وهضاب ومناطق رعي، تتوفر مساحات زراعية واسعة، منها حوالي 8.5 مليون هكتار مستخدمة حاليًا، منها نصف مليون هكتار فقط مسقي، والباقي يعتمد على مياه الأمطار.
ورغم هذه الإمكانيات، هناك تحديات عديدة تواجه القطاع الزراعي، تتمثل أبرزها في الأراضي المهملة بسبب مشكلات التوريث والنزاعات القانونية، وتكرار موجات الجفاف، وندرة المياه السطحية، فضلًا عن آثار العشرية السوداء، التي دفعت بالعديد من الفلاحين لترك أراضيهم والنزوح إلى المدن. هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى عرقلة استغلال الموارد الزراعية المتاحة، مما يحول دون تحقيق الاكتفاء الذاتي.
بالتوازي مع هذه التحديات، تظل الجزائر مستوردة رئيسية للحبوب، بمتوسط سنوي يقارب 5 ملايين طن من دول عدة كفرنسا وروسيا وأحيانًا ألمانيا. وهذا يضع عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني ويدعو للتساؤل حول استراتيجيات الدولة في هذا المجال. تشير التقديرات إلى أن الجزائر يمكنها تحقيق اكتفاء ذاتي من الحبوب بتجنيد 3 ملايين هكتار فقط، إذا افترضنا إنتاجية متواضعة تبلغ 30 قنطارًا للهكتار، ما يكفي لتغطية الحاجة المحلية المقدرة بـ 9 ملايين طن سنويًا.
ولتحقيق هذا الهدف، تم اقتراح مشروع “المزارع النموذجية الجامعية” الذي يطمح لتجنيد 4 ملايين هكتار واستصلاح الأراضي المهملة في الشمال. المشروع يهدف إلى تأسيس مزارع نموذجية مرتبطة بالجامعات، لتوظيف 500 عامل في كل مزرعة، على أن يكون 30% منهم من الجامعيين المتخصصين في مجالات الزراعة والاقتصاد والهندسة والإعلام الآلي، مما يخلق مليون وظيفة دائمة، منها 300 ألف وظيفة للجامعيين.
تقوم الفكرة على تحويل هذه المزارع إلى شركات مساهمة تبدأ بتمويل عمومي، ثم يتم طرح الأسهم للاكتتاب العام بعد نجاح المشروع، مع الإشراف من مجلس إدارة وجمعية المساهمين. ويشمل المشروع إنشاء مزارع متخصصة لإنتاج الخضروات، الفواكه، الحبوب، الزيتون، التين، والكروم، وغيرها، مع التركيز على الاستفادة من القدرات الزراعية المختلفة عبر المناطق.
ورغم إطلاق وزارة الفلاحة منصة لاستقبال طلبات المستثمرين المحتملين، فإن هذه الخطوة تصطدم بمعوقات البيروقراطية وتعقيدات إجراءات التراخيص، مما يعيق وصول المستثمرين الجادين. وقد شجع ذلك بعض المستثمرين غير المتخصصين على استغلال الفرص للحصول على قروض، دون المساهمة الفعلية في تطوير الزراعة.
إن نجاح “المزارع النموذجية الجامعية” يعتمد على تنظيم جهود الوزارة بالتنسيق مع القطاع الخاص، والتغلب على البيروقراطية والعوائق المالية. كما يتطلب المشروع استحداث هيئة مختصة بالبذور، على غرار الديوان الوطني للحبوب الذي يدعم منتجي الحبوب والبقوليات خلال فترات الزرع والحصاد. ويفترض أن تقدم هذه الهيئة الجديدة دعماً للفلاحين، وتضمن جودة البذور، وتحد من الاستيراد المفرط الذي يستهلك العملة الصعبة ويضعف الإنتاج المحلي.
في النهاية، إذا تبنت الحكومة هذه الاستراتيجية، يمكن أن تحقق الجزائر اكتفاءً ذاتيًا، وتوفر مليون وظيفة دائمة، مع إمكانية تصدير فوائض المحاصيل وجذب الاستثمارات.