شهد ميناء الجزائر العاصمة صباح اليوم الأحد، وصول أول شحنة من المواشي المستوردة قادمة من رومانيا، وسط ذهول العديد من السماسرة الذين تفاجؤوا بجودة وحجم الأضاحي التي نزلت من الباخرة “APUS”، خلافًا لتوقعاتهم السابقة بأن تكون من النوعية الضعيفة.
الصور والفيديوهات التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت أغنامًا ضخمة وذات بنية قوية، ما أربك حسابات الكثير من الوسطاء الذين راهنوا على التحكم في السوق خلال موسم عيد الأضحى.
وتشكل هذه الشحنة، التي تضم 15 ألف رأس من الأغنام، باكورة برنامج وطني لاستيراد مليون رأس غنم، أمر به رئيس الجمهورية في مارس الماضي، بهدف كسر الأسعار المرتفعة وضمان وفرة الأضاحي في السوق المحلية. وتُعد هذه الخطوة غير مسبوقة من حيث الحجم والتنظيم، وجاءت استجابة للوضعية الخاصة التي تمر بها تربية المواشي في الجزائر، خاصة في ظل تداعيات الجفاف وتراجع الإنتاج المحلي.
الإجراءات التنظيمية تمت تحت إشراف اللجنة القطاعية المشتركة، التي حضرت عملية تفريغ الباخرة وتوجيه المواشي مباشرة نحو مراكز الحجر الصحي البيطري. وبحسب وزارة الفلاحة، فإن مدة الحجر تتراوح بين 3 إلى 5 أيام، وستُخضع خلالها الأغنام للفحوصات الضرورية قبل طرحها في الأسواق. هذه التدابير الصارمة تعكس جدية السلطات في تأمين عملية استيراد صحية ومنظمة.
النوعية الممتازة للأضاحي تفاجئ السوق وتربك السماسرة
الانطباع الأولي لدى كثير من التجار والمواطنين بعد مشاهدة الأضاحي المستوردة كان إيجابيًا للغاية، إذ لم تكن الأغنام ضعيفة البنية كما رُوّج لها، بل ظهرت بصحة جيدة وأحجام متفاوتة تتراوح بين 25 و45 كيلوغرامًا، بحسب ما كشف عنه المدير العام لميناء الجزائر عبد الحميد بولعام. هذا التطور المفاجئ أحدث صدمة لدى السماسرة الذين كانوا يعوّلون على فرض أسعار مرتفعة استنادًا إلى ضعف المعروض المحلي.
عدد من السماسرة الذين تنقلوا إلى محيط الميناء أو شاهدوا الصور المسربة عبر وسائل الإعلام الاجتماعية عبّروا عن امتعاضهم من دخول هذا النوع من الأغنام إلى السوق، خاصة وأن الأسعار المقترحة لن تتعدى 4 ملايين سنتيم، أي أقل بكثير من تلك التي كانوا يعرضون بها الكباش المحلية.
وتداول عدد من نشطاء الفيسبوك منشورات تتضمن تعليقات مثل: “اللعبة انتهت”، و”السمسار في ورطة”، ما يعكس حجم التأثير النفسي والتجاري لهذه الشحنات.
في المقابل، استبشر المواطنون خيرًا بهذه النوعية، وبدأت مؤشرات الثقة تعود إلى السوق بعد فترة من الغموض، حيث ينتظر المستهلكون الآن الإعلان الرسمي عن نقاط البيع، التي ستُحدَّد بناءً على المعايير التنظيمية، ووفقًا لما ستسفر عنه عمليات الحجر الصحي البيطري.
تدفق الشحنات يربك الوسطاء ويعيد رسم قواعد السوق
وصول أول شحنة هو بداية لسلسلة من الدفعات المبرمجة، حيث أعلن المسؤولون أن ميناء الجزائر سيستقبل غدًا الإثنين دفعة جديدة مكونة من 12 ألف رأس، تليها شحنة ثالثة يوم 24 أفريل بـ35 ألف رأس، ثم شحنة رابعة يوم 25 من نفس الشهر بـ18 ألف رأس. هذا التدفق السريع والمتنوع من الأضاحي يُنتظر أن يحدث توازنًا حقيقيًا في السوق.
البيانات الرسمية أوضحت أن تسعة موانئ جزائرية ستشارك في العملية، ما يعني أن التوزيع سيشمل مختلف الولايات دون تمركز في منطقة واحدة، وهو ما سيُفقد السماسرة قدرة الاحتكار والمناورة. كما أن إعفاء هذه الشحنات من الرسوم الجمركية والضرائب مهّد لتوفير الأضاحي بأسعار تنافسية بعيدة تمامًا عن مستويات السنوات الماضية.
ولم تُخفِ عدة مصادر في أسواق بيع الماشية حالة القلق التي بدأت تسود بين الوسطاء، خصوصًا أولئك الذين اقتنوا كميات من الكباش المحلية بأسعار مرتفعة قبل وصول المواشي المستوردة، على أمل رفع الأسعار لاحقًا. ويبدو أن هذه الحسابات قد فشلت، مع تدخّل الدولة المباشر وتنظيمها المحكمة للسوق.
ضربة موجعة للسمسرة وبداية عودة التوازن
الواضح أن موسم عيد الأضحى هذا العام سيكون مختلفًا، سواء من حيث وفرة العرض أو من حيث كسر منطق الهيمنة الذي ظل السماسرة يفرضونه على سوق الأضاحي لسنوات طويلة. فالدخول القوي والمنظم للأضاحي المستوردة، بنوعية ممتازة وأسعار معقولة، من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في علاقة المواطن بأسواق المواشي.
وتبقى الأيام القليلة القادمة حاسمة في تحديد المسار النهائي للسوق، خاصة مع توالي الشحنات والبدء الفعلي في التوزيع. لكن المؤشرات الأولية تؤكد أن الجزائر تتجه نحو عيد أضحى أكثر عدلاً واستقرارًا للمواطن، وأقل احتكارًا وهيمنة للوسطاء.