لماذا يسعى ترامب للحصول على معادن أوكرانيا؟

اقتصاد ببساطة

تُعد أوكرانيا واحدة من أغنى الدول بالمعادن النادرة، التي أصبحت محور صراع استراتيجي بين القوى العالمية نظرًا لدورها الأساسي في الصناعات التكنولوجية والعسكرية.

تحتوي البلاد على موارد طبيعية ضخمة تشمل الليثيوم، الكوبالت، النيكل، السكانديوم، التنتالوم، النيوديميوم، وغيرها من العناصر الأرضية النادرة التي تُستخدم في تصنيع الهواتف الذكية، السيارات الكهربائية، الأنظمة الدفاعية، والمعدات الطبية.

وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير 2025، تُقدَّر القيمة الإجمالية لموارد أوكرانيا المعدنية بحوالي 15 تريليون دولار، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول جاذبية للاستثمارات في هذا القطاع. وتشير بيانات الاتحاد الأوروبي إلى أن أوكرانيا تمتلك 21 عنصرًا من قائمة المواد الخام الحرجة التي يعتمد عليها السوق الأوروبي بشكل رئيسي.

المعادن النادرة.. سلاح استراتيجي في الصراع الجيوسياسي

أصبحت المعادن النادرة أحد الأسلحة الاقتصادية والاستراتيجية التي تحدد موازين القوى بين الدول العظمى. تُهيمن الصين حاليًا على أكثر من 60% من إنتاج هذه المعادن عالميًا، وهو ما يمنحها ورقة ضغط قوية في النزاعات التجارية مع الغرب، الذي يسعى لتنويع مصادره وتقليل اعتماده على بكين.

في هذا السياق، برزت أوكرانيا كبديل استراتيجي محتمل، حيث تمتلك احتياطيات ضخمة من هذه الموارد، وهو ما جعلها محط أنظار القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ومع تصاعد الصراع في أوكرانيا، يخشى الغرب من احتمال وقوع هذه المعادن تحت سيطرة موسكو، الأمر الذي قد يعزز نفوذ روسيا في الأسواق العالمية، ويدفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى البحث عن طرق لضمان استمرار تدفق هذه الموارد نحو مصانعها.

لماذا يريد ترامب معادن أوكرانيا؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أبدى اهتمامًا واضحًا بالموارد المعدنية الأوكرانية. في فبراير 2025، طرحت إدارته اقتراحًا يمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى 50% من المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل استثمارات أمريكية مباشرة في تطوير القطاع الصناعي والتكنولوجي الأوكراني.

تهدف هذه الخطوة إلى تحقيق مكاسب استراتيجية متعددة لواشنطن. فمن ناحية، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليل هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة، خاصة وأن الأخيرة تستخدم هذه الموارد كأداة ضغط في النزاعات التجارية.

ومن ناحية أخرى، تهدف خطوة ترامب الى التعزيز من الصناعات الأمريكية، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الدفاعية، حيث تُستخدم هذه العناصر في تصنيع البطاريات المتقدمة، الشرائح الإلكترونية، وأنظمة الأسلحة الذكية.

كما أن واشنطن تدرك أن أي سيطرة روسية على هذه الموارد قد تعزز القدرات الدفاعية والصناعية لموسكو، وهو ما يتعارض مع المصالح الأمريكية في الصراع الدائر.

كييف ترفض الصفقة الأمريكية وتتمسك بسيادتها

الاقتراح الأمريكي لم يلقَ ترحيبًا واسعًا في أوكرانيا، حيث رفض الرئيس فولوديمير زيلينسكي هذه الصفقة، معتبرًا أنها تُهدد السيادة الاقتصادية للبلاد. فبالنسبة لكييف، فإن هذه الموارد ثروات طبيعية وأداة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي والتكنولوجي لأوكرانيا، التي تسعى إلى تطوير صناعاتها الوطنية بدلًا من أن تصبح مجرد مورد للمواد الخام للقوى الكبرى.

من جهتها، حذرت الحكومة الأوكرانية من أن أي اتفاق يمنح الولايات المتحدة حصة كبيرة من هذه المعادن قد يؤدي إلى خسائر على المدى الطويل، خاصة في ظل غياب ضمانات حقيقية بأن هذه الاستثمارات ستُترجم إلى مكاسب اقتصادية دائمة لأوكرانيا.

في هذا السياق، قال أولكسندر كوبراكوف، وزير الاقتصاد الأوكراني، في تصريح لصحيفة Financial Times:
“نحن نرحب بالاستثمارات الأجنبية، لكننا لن نقبل بصفقات تُقلل من سيادتنا على مواردنا الطبيعية.”

الولايات المتحدة ليست الوحيدة.. أوروبا تدخل على الخط

لم تكن الولايات المتحدة وحدها من سعت للوصول إلى هذه الثروات، فقد أبدى الاتحاد الأوروبي اهتمامًا متزايدًا بتأمين إمدادات المعادن النادرة من أوكرانيا.

ووفقًا لتقارير أوروبية، تعمل بروكسل على توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع كييف لضمان تدفق هذه المعادن إلى المصانع الأوروبية، بهدف تقليل الاعتماد على الصين.

وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فإن الاتحاد الأوروبي يدرس تقديم حزمة دعم اقتصادي لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات يورو، تشمل استثمارات في قطاع التعدين، مقابل التزام كييف بتصدير نسبة كبيرة من إنتاجها إلى أوروبا.

وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لتقليل تبعية الصناعات الأوروبية للموارد الصينية، وتعزيز سلاسل التوريد المحلية داخل القارة.

ما مستقبل المعادن النادرة في أوكرانيا؟

يبقى مستقبل هذه الموارد مرهونًا بالتطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها أوكرانيا. فمع استمرار الحرب، يظل هناك خطر حقيقي من أن تجد كييف صعوبة في استغلال ثرواتها المعدنية، خاصة إذا تمكنت روسيا من السيطرة على بعض المناطق الغنية بالمعادن.

أما إذا استطاعت أوكرانيا الصمود، فقد تتحول إلى أحد أكبر الموردين للغرب، وهو ما قد يُحدث تحولًا في خارطة المعادن النادرة عالميًا.