بعد الدعوة الأخيرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للمواطنين بإيداع أموالهم المكنوزة في البيوت لدى البنوك واستقطاب الأخرى المتداولة في السوق الموازية عاد الحديث مرة أخرى عن أحد الحلول الممكنة للتعجيل بذلك والمتمثل في تغيير عملة الدينار.
فتح تصريح رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، حول توجيه آخر إنذار فيما يتعلق باستقطاب الأموال المكتنزة في البيوت والأموال الموجودة في السوق السوداء وضخها بالبنوك الباب مجددا للبحث عن الحلول المجدية وطرح عدة تساؤلات وفرضيات بخصوص الخيارات التي قد تلجأ إليها الحكومة خلال الفترة القادمة.
وخلال افتتاح الاجتماع الخامس لـ”الحكومة – ولاة” الأسبوع الماضي، أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون باسترجاع الكتلة المالية المتواجدة خارج القنوات الرسمية، ووجّه آخر إنذار لأصحاب الأموال المكتنزة في البيوت قصد ايداعها في البنوك.
“نوجه آخر نداء لأصحاب الأموال المكدسة لإيداعها في البنوك، وقد قدمنا ألف ضمان لحماية المواطن والاقتصاد الوطني”.
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون
فساد وأموال مكتنزة
وتحدث الرئيس عبد المجيد تبون عن أرقاما مهولة من الأموال التي نهبت في البلاد، واستشهد بعائلة واحدة استولت على مبلغ مالي كبير يقدر بـ36 مليار دولار.
“اكتشفنا أن عائلة واحدة كانت تملك 500 ألف مليار سنتيم (36 مليار دولار) وماضون في محاربة الفساد.
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون
وبات من الشائع أن تبقي العائلات الجزائرية أموالها في البيوت بدل ايداعها في البنوك والمصارف، وحول هذه الظاهرة يقول الخبير في الأمور المالية أبو بكر سلامي في تصريح لـ”سهم ميديا” أنها بلغت حد لا يطاق ولا يمكن السكوت عنها”، اذ يؤكد أن الأموال المكدسة تضاعفت مقارنة بالأموال المتداولة في البنوك.
ويرجع سلامي هذا التضاعف الى غياب تطبيق القانون وجشع بعض التجار التي تملك الأموال وتتهرب من دفع الضرائب والاشتراكات الاجتماعية وحتى الزكاة.
ويؤكد الخبير أن هذه الظاهرة تضر بالاقتصاد الوطني، حيث أن أكثر من 50 إلى 60% من الأموال المكدسة توجد خارج الدورة النقدية وقيمتها آلاف الملايير.
شوكة “السكوار”
وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة إجراءات للقضاء على مشكلة السوق الموازية، وأهمها منح امتيازات ضريبية لأصحاب الأموال مجهولة المصدر لضخها في البنوك، وتحويلها إلى أموال شرعية، ومباشرتها لإصلاحات عميقة لإصلاح البنوك إلا أنها لم تستطع احتواء هذه المبالغ المالية الضخمة.
ويبقى القضاء على هذه السوق جملة واحدة وبضربة واحدة أمر صعب للغاية، والحل الوحيد المطروح أمام حكومة أيمن بن عبد الرحمان إنشاء مكاتب صرف معتمدة وبهوامش ربح مقننة وسن قوانين وتعديل أخرى كتعديل قانون القرض والنقد والقضاء على الاقتصاد الموازي بشكل عام وتطوير عمل البنوك وترقية سلاسة التعاملات المصرفية لضمان جاذبية البنوك للمتعاملين.
عملة جديدة
ويعتبر خبراء ومختصين في المال الاقتصادي أن القرار الأكثر أهمية في الجزائر إذا رغبت السلطات في محاربة المال الفاسد واحتواء الأموال المتداولة خارج الدوائر الرسمية، هو سحب العملة المتداولة حالياً وطبع أخرى جديدة، تجبر الأموال المكتنزة والمتداولة في السوق بطريقة غير قانونية على دخول البنوك الرسمية.
ويؤيد الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي خيار تغيير العملة بشدة لأنه مثلما يقول “هو الحل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد الوطني والتخلص من ظاهرة تكديس الأموال في السوق الموازية”.
وحتى تنجح هذه العملية يشترط سلامي أن “يتم تغيير الأوراق في مدة كافية تصل حتى 9 أشهر ليتمكن الناس من ايداع أموالهم المكدسة في البنوك إلى جانب تسهيل العملية”.
ويشدد الخبير على أنه يجب أن لا يسمح بإعادة استرجاع هذه الأموال، ومن يقوم بإيداعها يمنح له حساب خاص به مرفوق ببطاقة الدفع.
كما اقترح أن تسبق هذه العملية تعميم وسائل الدفع الإلكترونية في مختلف الأماكن التجارية وأماكن دفع الاشتراكات (سونلغاز، موبيليس، اتصالات الجزائر وغيرها…).
خيار مستبعد
الأصوات المنادية بتغيير عملة الدينار ليست وليدة اليوم، حيث أسال هذا الموضوع الكثير من الحبر السنة الماضية خاصة مع تهاوي سعر الدينار أمام الأورو والدولار بعد الغلق الذي فرضته جائحة كوفيد، لكن استبعد الوزير الأول الحالي أيمن بن عبد الرحمان الذي كان يومها على رأس وزارة المالية خيار استبدال العملة لاسترجاع الأموال الضخمة المتداولة في السوق الموازية.
وقال إن “الأمر غير مطروح”، مشيراً إلى أنه “غير ممكن قانوناً لأن الورقة النقدية يجب أن يستمر تداولها 10 سنوات كاملة منذ تاريخ إصدارها، فضلاً عن أن الاستقرار القانوني في السوق المالية، وحتى الاقتصادية، يجعل من هذا الخيار غير ممكن”.
تعافي قد “لا يكفي”
ورغم أن الدينار الجزائري في الأيام الأخيرة حقق نهاية سنة 2022 قفزة مفاجئة وتاريخية في التعاملات الرسمية البنكية وفي السوق السوداء للعملات، وهي الأولى من نوعها منذ عقد كامل ببلوغه 140.40 دينارا جزائريا أمام الدولار، في حين بلغت قيمة اليورو 140.41 دينارا جزائريا، الا أن ذلك قد لا يشفع له من أجل التخلي عن خيار تغيير العملة لاستقطاب الأموال المتداولة خارج الدوائر المصرفية الرسمية.
حلول أخرى
وبين تغيير عملة الدينار من عدمه، تظهر حلول أخرى تسعى الحكومة الحالية الى اللجوء اليها والمراهنة عليها لاستقطاب الأموال المتداولة في السوق الموازية على غرار مشروع قانون القرض والنقد الجديد الذي يمنح تحفيزات للراغبين في إيداع وادّخار أموالهم بالبنوك.
ويتضمن مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد عدّة مواد لمجابهة السوق السوداء وتشجيع الإدخار البنكي على غرار إلزامية التعاملات الكتابية بدل النقدية وفتح مكاتب صرف، بدل توجّه المواطنين للسوق الموازية للعملة الصعبة، وفتح بنوك حصرية للصيرفة الإسلامية بالموازاة مع استمرار نشر الشبابيك البنكية.
كما تراهن الحكومة على استحداث بنوك رقمية والدينار الرقمي وبنوك استثمار، للتقليل من التعاملات المادية وبالتالي تقليص حجم الأموال المتواجدة في السوق الموازية، وغيرها من الإجراءات الأخرى.