تزخر الجزائر بثروات هائلة غير مستغلة، مثل الأتربة والمعادن النادرة التي تحتل فيها المرتبة الثالثة عالميا يمكن أن تساعد على تنويع مصادر الدخل العام، وتضاعف حظوظ الجزائر في التخلي تدريجيا عن التبعية لقطاع المحروقات.
بعد أقل من سنة واحدة فقط من انتخابه رئيسا للجزائر، وجه الرئيس عبد المجيد تبون خلال مجلس الوزراء المنعقد في جويلية 2020 الحكومة الجزائرية من أجل تثمين ثرواتها الطبيعية المعدنية وتحديد الكميات والمكامن والأنواع التي تزخر بها الجزائر بدقة.
أوامر الرئيس تبون جاءت لتدعيم موارد العملة الصعبة التي بدأت يومها تتآكل جراء تنامي الفساد وانهيار أسعار المحروقات، وأمر وزير الصناعة القيام بإحصاء دقيق وتحضير دفتر شروط خاص بقصد استغلال الأتربة النادرة في البلاد
يومها بدأت الجزائر في اعتماد دراسات وعمليات مسح دقيقة لتحديد القدرات الفعلية، سواء من حيث المخزون أو الاحتياط، لضمان استقطاب استثمارات في المجال، مع اعتماد رؤية تضمن تحقيق فائض ذي قيمة، مع إقامة مصانع للتكرير والتحويل والتعدين.
لدينا أتربة ومعادن نادرة في الجزائر مثل اليورانيوم والكادميوم ومواد أخرى غير مستغلة حان وقت استغلالها
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون
ماذا نعني بالأتربة والمعادن النادرة؟
تسمي الأتربة النادرة بهذا الاسم لكونها تحتوي على معادن استثنائية، مثل “السكانديوم” و”الليثيوم”، وهي جميعها معادن بمواصفات كيميائية محددة، ترقد داخل طبقة عميقة من الأرض مختلطة مع الأتربة.
تستخدم المعادن النادرة في أحدث الوسائل التكنولوجية وتحديدا في صناعة الالكترونيات، مثل الهواتف، فمثلا هاتف أيفون يحوي ثمانية من المعادن النادرة، كما تستخدم أيضا في صناعة السيارات الكهربائية والتجهيزات المتطورة والأسلحة التي تعمل بالليزر.
تمثل تجارة الأتربة النادرة نحو 1.5 مليار دولار، والملاحظ أن المعادن موجودة في جل الدول، ولكن عمليات التكرير والتحويل تتواجد بالخصوص في الصين التي تعد في الأصل دولة صديقة للجزائر وبينهما علاقات تاريخية واقتصادية وطيدة.
الجزائر…كنز المعادن النادرة
يعد التراب الجزائري مجال لم يتم بعد استغلال معادنه، وتشير المعطيات الأولى المتوفرة من الوسائل الوطنية والأجنبية، بأن الجنوب الجزائري يحتوي على كنز لا يفنى وثروة معتبرة، اذ يتواجد على أرضه مخزون معتبر من المعادن النادرة.
وفي هذا الصدد، أشارت تقديرات مكتب البحوث الجيولوجية والمعدنية، التابع للوكالة الأفريقية للإعلام الاقتصادي والمالي، أن الجزائر تملك 20% من الاحتياطات العالمية للأتربة النادرة.
تحديات تواجه الجزائر
رهان الحكومة الجزائرية على استغلال الثروات المعدنية في البلاد لتوفير دخل جديد للخزينة العمومية وتقليل التبعية للمحروقات، ستواجهه جملة من التحديات
ويتمثل التحدي الأول في ضرورة بعث نشاط الاستكشاف بكثافة بهدف إعادة تحيين خرائط المكامن المعدنية على طول الإقليم الجغرافي الجزائري.
رفعت الجزائر اليوم التحدي الأول ودخلت مرحلة الدراسة الاستكشافية لتقدير الاحتياطات الحقيقية التي تملكها من الأتربة النادرة ورسم الخرائط الجيولوجية، والتي ستكون حتما كبيرة وقادرة على خلق قيمة مضافة للاقتصاد الجزائري.
وقبل انتقالها للمرحلة الثانية وهي مرحلة الاستغلال، تواجه الجزائر عقبات جمة أبرزها صعوبة استخراج هذه المعادن ومعالجتها، خاصة وأنها ملوثة جدا للطبيعة، مما يتطلب تحكما في التكنولوجية واليد العاملة المؤهلة للتحكم في التعدين والتكرير وهو ما لا تملكه الجزائر في الوقت الراهن.
الإقدام على هذه الخطوة يتطلب استثمارات ضخمة، لأن هذا النشاط عالي المخاطرة المالية، لذلك لا مفر من اللجوء إلى شراكات أجنبية كبيرة، تجلب الاستثمارات والتكنولوجيات والخبرات.
بدأت الجزائر تخطط لدعم قدرتها التكنولوجية عبر الاحتكاك بالدول الضالعة في المجال وتحديدا الصين التي تملك أكبر مخزون من الأتربة النادرة في العالم، إلى جانب ريادتها في التكنولوجيا بشكل عام، كما بدأت تنظر الى ضرورة دعم التكوين في مجال التكنولوجيا وإحياء ثقافة التكوين بالخارج بالنسبة للباحثين في المجال.
أوروبا المهتمة
مثل المحروقات التي يزداد الطلب عليها سنويا، أدركت أوروبا أن حاجياتها من الأتربة النادرة ستتضاعف في حجمها، وأن التغيرات الجيوسياسية ستدفعها إلى البحث عن مصادر أخرى لضمان تموينها، والتوجه تحديدا إلى الأتربة النادرة الجزائرية، لأن التغطية تأتي حاليا من الصين وروسيا وأوكرانيا
موضوع الأتربة أو المعادن النادرة عاد إلى الواجهة، لاسيما مع تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إمكانية التعاون بين الجزائر وفرنسا في تطوير هذه المعادن أو الأتربة النادرة.
بعد نحو شهر ونصف من تصريح ماكرون، حلت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بالجزائر، مصحوبة بنصف أعضاء حكومتها وعدد كبير من رجال الأعمال الفرنسيين، زيارة عولت عليها باريس كثيرا لتفعيل شراكتها الاقتصادية مع الجزائر خاصة في مجال الأتربة والمعادن النادرة ورحبت بها الجزائر الجديدة التي بدأت تنظر الى مصالحها ومصلحة اقتصادها قبل كل شيء.
أصبح من المعتاد القول إن الجزائر بلد “ريعي” بامتياز، تتلقى الجزء الأكبر من دخلها من صادرات البترول، غير أن الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس تبون مصممة أكثر من أي وقت مضى على تغيير هذا الاعتقاد من خلال عدة حلول ممكنة منها استغلال الثروات المعدنية المهمة التي تحوزها البلاد والتي ظلت طيلة عقود من الزمن طي النسيان.