تحدثت الباحثة في الحوكمة البيئية و التنمية المستدامة الدكتورة منال سخري في حوار مع “سهم ميديا” عن الإستراتيجية الواجب اتباعها من طرف الدولة الجزائرية من أجل الإدارة المستدامة للتراث الغابي في ظل موجة الحرائق التي تشهدها البلاد في السنوات الأخيرة، وأكدت على ضرورة استخدام التكنولوجيات والابتكارات في نظم المراقبة، كما تحدثت أيضا عن مشىروع احياء السد الأخضر الذي وصفته ب”رئة الجزائر” وحملات اعادة التشجير، فضلا عن مواضيع أخرى.
أصبحت آثار التغير المناخي محسوسة بشدة على الغابات اليوم. اندثار الثروة الغابية بسبب الجفاف المتكرر والحرائق. كيف يمكن للبحوث المبتكرة أن تسهم في إيجاد حلول لتكييف الغابات مع تغير المناخ، وضمان استدامتها وحيويتها ؟
اتخذت الأمم المتحدة لاجل الاحتفال هذا العام باليوم الدولي للغابات شعار «الغابات والابتكار: حلول جديدة لعالم أفضل» وهذا يسلط الضوء على أهمية استخدام التكنولوجيا الخضراء والابتكار لحماية الغابات. لسوء الحظ، يفقد كوكبنا 10 ملايين هكتار من الغابات كل عام، بينما تتضرر حوالي 70 مليون هكتار من الحرائق.
تعد حماية الغابات باستخدام الابتكار والتقنيات المختلفة مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة و تكنولوجيا الروبوتات أمرًا بالغ الأهمية. وتتيح هذه النظم استخدام برامج الإنذار المبكر والرصد والمتابعة، مما يساعد البلدان على وضع استراتيجيات مناسبة للتصدي للمخاطر والتحديات في المستقبل. والواقع أن حماية الغابات لا تتعلق فقط بالحفاظ على مساحات شاسعة من المساحات الخضراء، بل أيضا بحماية الأمن الحضاري والثقافي والبيئي والغذائي والاقتصادي. لذلك فإن استخدام هذه التكنولوجيات الخضراء والابتكارات ضروري لحماية تراثنا المشترك وأمننا البشري.
في كل صيف، يشهد الجزائريون حرائق تدمر العديد من الغابات ، وتتسبب في خسارة رؤوس الاموال و الثروة الاقتصادية بعدة ملايين من الدينارات. ما هي الإستراتيجية التي ترونها ملائمة لاجل الإدارة المستدامة للتراث الغابي ؟
من الضروري الإشارة إلى أن الجزائر تقع في منطقة جغرافية معرضة للظواهر الجوية الشديدة وتغير المناخ. علاوة على ذلك، من الواضح للجميع أن حرائق الغابات تسبب أضرارا جسيمة للتربة والنظم الإيكولوجية، مما يعطل التوازن البيولوجي. لذلك من الضروري اعتماد إستراتيجية للإدارة المستدامة لحماية الغابات باستخدام التكنولوجيا والابتكار في إطار متكامل ومؤسسي، لأنها تمثل تراثا مشتركا للأجيال الحالية والمقبلة، لا سيما بالنظر إلى تنوع الموارد الحيوانية والنباتية المتاحة للجزائر.
وفي الواقع، يمكن من خلال الإدارة المستدامة استخدام التكنولوجيات والابتكارات في نظم المراقبة والإنذار المبكر، فضلا عن تعزيز التعاون مع البلدان الأخرى عن طريق تبادل الخبرات.
يهدف مشروع إحياء السد الأخضر كما تعلمون إلى زيادة مساحته من 3.7 إلى 4.7 مليون هكتار في مناطق السهوب عبر 13 ولاية. كيف ترون فرص نجاح هذا المشروع الضخم في وقت يتفشى فيه التصحر بفعل التغيرات المناخية؟
لقد اتسعت مساحات التصحر الى ما يزيد على 50 مليون هكتار. أنا شخصياً أعتبر أن السد الأخضر مثل رئة الجزائر، وأن تنشيطه يعادل الانتعاش، ليس فقط للمناطق المتضررة، ولكن للبلد ككل، خاصة مع التخصيص المالي الكبير (75 مليار دولار من 2022 إلى 2030) لتحقيقه.
السد الأخضر هو الحاجز الذي سيحد من ظاهرة التصحر ومكافحة تغير المناخ، مما سيحسن نوعية الحياة ويسمح للساكنة في تلك المناطق المحلية بإدارة مواردها الطبيعية بطريقة مستدامة. كما أنه يمثل فرصة للدراسات والبحوث العلمية التي ستسهم في رصده وتقييمه.
ومن المهم أيضا ملاحظة أن مشروع السد الأخضر هو استثمار حقيقي لن يسهم في مكافحة التصحر فحسب، بل أيضا في الحفاظ على الموارد المائية وتحسين نوعيتها وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
أعلنت المديرية العامة للغابات، عزمها زراعة حوالي 20.000 شجيرة في عدة مدن في البلاد. هل يمكنكم تقييم حملات إعادة التشجير خاصة فيما يتعلق بمشاركة المواطنين، الوعي البيئي، وكذا طبيعة المناطق المستهدفة؟
إن وصول المواطن إلى الوعي بأهمية إعادة التشجير، خاصة مع موجات الحر التي تضرب البلاد في السنوات الأخيرة، هو تطور إيجابي يعكس زيادة الوعي البيئي، مما يساهم في بناء ما يمكن ان اسميه المواطنة الخضراء.
ومع ذلك، من الضروري رصد هذه المبادرات ووضعها في إطار الخطط والاستراتيجيات المحلية والوطنية، لا سيما فيما يتعلق باختيار أنواع الأشجار وحاجتها إلى المياه كشرط أساسي لطول عمرها.
في الواقع، هناك تنوع مناخي في المناطق المختلفة من البلاد، لكل منطقة خصائصها البيئية التي تتطلب أنواعًا محددة من الأشجار.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم تجنب اختيار الأنواع الغازية التي يمكن أن تسبب ضررًا للنظام البيئي والتوازن البيئي، كما عانت العديد من البلدان التي انتهى بها الأمر بالتخلص من هذه الأشجار.
لقد أتيحت لي الفرصة للاحتكاك بالعديد من المبادرات على المستوى الوطني، سواء كانت فردية أو مهيكلة في إطار منظمات المجتمع المدني، والتي خلقت بفضل جهودها مساحات خضراء ومدن وشوارع وحدائق ومدارس ومساجد وغابات نموذجية.
إنني أؤمن بضرورة صياغة هذه المبادرات وتنسيق الجهود على الصعيدين المحلي والوطني، لأنها تعكس شعورا بالانتماء وترتبط بسياق حضاري وحضاري، مع تحقيق نتائج مفيدة للمصلحة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، سيساعد هذا التعاون وتنسيق الجهود في معالجة العديد من القضايا التي تواجه مبادرات إعادة التشجير، مثل الري والعناية بالأشجار، لأن الهدف ليس فقط زراعة أكبر عدد ممكن من الأشجار، ولكن لضمان بقاء هذه الأشجار.