انضمت الجزائر رسميًا إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF) مع بداية نوفمبر الجاري، لتصبح بذلك عضوًا كاملاً في هذه السوق العملاقة، التي تُعد الأكبر من نوعها عالميًا.
وتضم المنطقة 54 دولة إفريقية، وتمثل سوقًا تتجاوز 1.3 مليار نسمة، بقيمة إجمالية للناتج المحلي تُقدر بحوالي 3.4 تريليون دولار.
واعتمدت الجزائر خطة طويلة الأمد بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية لإفريقيا، بهدف تمكينها من استثمار الفرص الاقتصادية التي يوفرها هذا التكتل التجاري، كما قامت بتعزيز علاقاتها مع مؤسسات الاتحاد الإفريقي، لا سيما مع الدول المحورية مثل جنوب إفريقيا، التي تعد الاقتصاد الأكبر في القارة.
تعزيز التجارة ودعم البنية التحتية
ويتطلع المسؤولون في الجزائر إلى تفعيل حركة التبادل التجاري مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، خاصةً عبر بناء وتطوير بنى تحتية إستراتيجية.
ويأتي على رأس هذه المشاريع الطريق العابر للصحراء، الممتد لأكثر من 10,000 كيلومتر، والذي يربط الجزائر بنيجيريا ويمر عبر عدة دول منها النيجر ومالي وتشاد.
كذلك، أطلقت الجزائر مشروع الربط بالألياف البصرية لتمكين اتصال سريع مع دول القارة، من خلال وصلها بشبكات الإنترنت الإفريقية عبر المسارات الصحراوية.
إلى جانب البنية التحتية، تسعى الجزائر لدعم شراكاتها في قطاع الطاقة عبر مشروع أنبوب الغاز النيجيري الجزائري، الذي يربط نيجيريا بالجزائر مرورًا بالنيجر.
ويمثل هذا المشروع فرصة هامة لتصدير الغاز من الجزائر نحو أوروبا، مما قد يعزز من مكانتها كمحور طاقوي إفريقي مهم.
تحديات وفرص في التجارة الإفريقية
ورغم الطموحات الكبيرة، إلا أن التبادل التجاري الجزائري مع الدول الإفريقية، خصوصًا في جنوب الصحراء، لا يزال أقل من المأمول. فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة المبادلات التجارية سنة 2020 حوالي 3.052 مليار دولار، معظمها مع دول شمال إفريقيا، حيث بلغت الصادرات 1.998 مليار دولار والواردات 1.124 مليار دولار.
وتُظهر البيانات أن حجم التبادل مع دول جنوب الصحراء لا يزال محدودًا، ما دفع الجزائر إلى التركيز على تعزيز علاقاتها التجارية في هذه المناطق، عبر رفع نسبة الإدماج المحلي للسلع المتداولة، بهدف منع تسرب منتجات من خارج القارة إلى السوق المحلية.
وتسعى الجزائر إلى الاستفادة من منطقة التجارة الحرة الإفريقية لتعزيز إنتاجها المحلي وتنويع صادراتها، بما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني.
ويعكس هذا الانضمام رغبة الجزائر في تحقيق انفتاح اقتصادي أوسع على القارة الإفريقية، كما أنه يؤكد حرصها على الارتقاء بقدراتها الصناعية والتجارية، وتطوير مشاريع ضخمة قادرة على دعم التنمية الاقتصادية وفتح آفاق جديدة للشراكة الإفريقية.
خطوة هامة ولكن…
وفي تصريح ل”سهم ميديا”، قال الخبير الاقتصادي بوحوص بوشيخي، إن “انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة الحرة الإفريقية يمثل خطوة هامة للتوجه نحو تنمية الصادرات غير المرتبطة بالطاقة وتحفيز القطاع الصناعي.”
وأوضح أن اختيار 1 نوفمبر 2024 كتاريخ رسمي لدخول الجزائر في هذا التكتل يعكس رمزية خاصة تتزامن مع الذكرى السبعين للثورة التحريرية، مما يضفي طابعًا وطنيًا على هذا القرار الاستراتيجي.
وأضاف بوشيخي أن الجزائر، منذ المصادقة على الاتفاقية في 2021، عملت بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية لإفريقيا على إعداد استراتيجية تهدف إلى تعظيم الاستفادة من هذه العضوية في ZLECAF. وأكد أن التحدي الحالي يتمثل في وسائل الدفع، حيث إن الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو يشكل عائقًا أمام تنمية التجارة البينية الإفريقية.
وأشار بوشيخي إلى أن “الجزائر بحاجة إلى استعادة هيبة الدينار الجزائري واستخدامه كوسيلة دفع في التعاملات الإفريقية.” وقال إن “هناك دراسات علمية جاهزة وموثوقة تدعم هذه الخطوة، ولكن حتى الآن لم يتم تنفيذها.”
وتابع بوشيخي قائلاً: “على الجزائر أن تتجه نحو بيع المنتجات التي تتمتع فيها بميزة تنافسية ولديها فائض إلى الدول الإفريقية بعملاتها المحلية، مما يسهل عملية تبادل السلع.”
وأضاف أنه من الممكن استخدام هذه العملات الإفريقية لشراء المواد الأولية من السوق الإفريقية، وحتى تصديرها إلى الأسواق الأوروبية، مثل الكاكاو والقطن والبن والثروة الحيوانية.
واختتم بوشيخي بالقول: “لقد أثرت هذه القضية لسنوات، وما زلنا نواجه جمودًا في مستوى البنك المركزي ووزارة التجارة، حيث يُصرّ على استخدام العملات الأجنبية التي تعيق التبادل التجاري البيني وتحدّ من التنمية.”