في خطوة جريئة وحاسمة، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون الحرب على لوبيات الاستيراد التي تسعى إلى ابتزاز الدولة وتهديد استقرار السوق الوطنية.
وخلال ترؤسه لمجلس الوزراء الأخير، شدد تبون على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يحاول خلق ندرة في المنتجات الأساسية لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مؤكداً أن زمن التلاعب بمصالح الوطن والمواطن قد ولى.
أوامر الرئيس كانت واضحة بضرورة اليقظة على مستوى وزارة التجارة وسحب تراخيص وسجلات المتورطين فور إثبات تورطهم، مشيرًا إلى أن الدولة لن تتهاون مع أي جهة تسعى لتعكير صفو الاقتصاد الوطني.
حرب ليست وليدة اليوم
الحرب التي شنها الرئيس تبون على لوبيات الاستيراد ليست جديدة، فقد بدأت معركته ضد هذه المجموعات منذ أن تولى منصب وزير التجارة بالنيابة في عام 2017. في تلك الفترة، أطلق تبون حملة شرسة ضد بارونات الاستيراد الذين كانوا يسيطرون على السوق الجزائرية ويغرقونها بالمنتجات الكمالية التي يمكن إنتاجها محليًا.
قراراته آنذاك شملت حظر استيراد بعض السلع غير الضرورية مثل العلك والحمضيات، وفرض نظام صارم على عمليات الاستيراد بهدف تقليص فاتورة الاستيراد ودعم الإنتاج الوطني. كانت هذه السياسات تهدف إلى وقف نزيف العملة الصعبة وتشجيع الصناعة المحلية، وقد لاقت تأييدًا واسعًا من الخبراء وجمعيات التجار.
هذه الحرب استمرت سنة 2020 ولكن بوتيرة أقوى وبصلاحيات أوسع. بعد توليه الرئاسة، حيث واصل العمل على إصلاح الاقتصاد الوطني، وركز بشكل خاص على محاربة الفساد وإعادة تنظيم القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك تنظيم التجارة الخارجية.
وإلى يومنا هذا، يستمر الرئيس تبون في معركته، وهذه التوجيهات الأخيرة الصادرة خلال مجلس الوزراء تأتي لتأكيد استمرارية هذه الحرب ومواجهة أي محاولة لابتزاز الدولة أو زعزعة استقرار السوق الوطنية. من خلال سحب تراخيص وسجلات الشركات المتورطة فور إثبات تورطها.
تأثيرات اقتصادية
الحرب المعلنة على لوبيات الاستيراد تحمل تأثيرات اقتصادية واسعة وعميقة على الاقتصاد الوطني.
أحد أبرز التأثيرات هو حماية السوق المحلية من الندرة المصطنعة، التي تؤدي عادة إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، مما يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في السلع الأساسية مثل القمح، الزيت، السكر، والأدوية.
علاوة على ذلك، تقليص فاتورة الاستيراد هو أحد الأهداف الاقتصادية الرئيسية لهذه الحرب. تبون، منذ عام 2017، بدأ في تقليل الاعتماد على استيراد السلع الكمالية التي يمكن إنتاجها محليًا، وهو ما أدى إلى توفير أموال ضخمة كانت تهدر على استيراد سلع غير ضرورية والحفاظ على احتياطات البلاد من العملة الصعبة.
من جانب آخر، الحد من استيراد السلع التي يمكن إنتاجها محليًا يعني خلق فرص استثمارية جديدة للقطاع الصناعي الجزائري، مما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة وتحسين كبير لمناخ الاستثمار الداخلي.
تعزيز التوازن التجاري
الحرب على لوبيات الاستيراد تسهم مباشرة في تقليص العجز التجاري الذي لطالما كان مشكلة تعاني منها الجزائر. فتقليل الواردات غير الضرورية يمنح الحكومة القدرة على إعادة توجيه الموارد نحو تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات من المنتجات الوطنية. هذا النهج يؤدي إلى تحسين الميزان التجاري، حيث يقل الاعتماد على استيراد السلع الكمالية ويتم التركيز على تصدير المنتجات الوطنية التي تتمتع بقيمة مضافة عالية.
الحد من الفساد الاقتصادي
لوبيات الاستيراد ليست مجرد شبكات تجارية تسعى للسيطرة على السوق، بل غالبًا ما تكون مرتبطة بأنشطة فساد عميقة تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الجزائري. هذه اللوبيات تستغل الفجوات في النظام التجاري والرقابي لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مما يزيد من تكاليف الاستيراد ويضر بالمالية العامة.
وعليه، فان مكافحة هذه اللوبيات لا تعد فقط محاولة لحماية السوق من الابتزاز، بل هي جزء أساسي من الحرب على الفساد الاقتصادي، الذي يعد أحد أكبر العوائق أمام تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
مقاومة والتفاف
ومع أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الاقتصاد، إلا أنها قد تواجه بعض التحديات الاقتصادية، على غرار ضغوط اللوبيات المتضررة، والتي قد تسعى لإيجاد طرق للالتفاف حول القرارات الحكومية. ولكن الحزم الذي أبداه الرئيس تبون وإصراره على التنفيذ الصارم لهذه التوجيهات يعزز الثقة في قدرة الدولة على التصدي لهذه التحديات.
في مواجهة التحديات الاقتصادية، يواصل الرئيس ورجال الدولة حربهم الحاسمة ضد لوبيات الاستيراد، في خطوة تهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني وضمان استقرار السوق المحلية. ورغم التحديات التي قد تواجه تطبيق هذه السياسات، إلا أن الفوائد المتوقعة على المدى الطويل تفوق المخاطر.