عرف القطاع الفلاحي في الجزائر زيادة معتبرة في الإنتاج، مس جميع الشعب الفلاحية في 2022.
وقد اتخذت الجزائر جملة من الإجراءات في القطاع الفلاحي لتحسين مردودية الإنتاج والتوجه نحو التصدير، فباشرت في تحديد استراتيجية جديدة ساهمت بدورها في النهوض بالقطاع الذي يعد جد حيويا خاصة في الوقت الراهن وما يشهده العالم من تغيرات جيوسياسية، أرغمت الدول إلى بذل جهودها حتى تحقق اكتفاء ذاتيا في الشعب الفلاحية، وهذا ما أقدمت على فعله الجزائر بشكل جلي. وكان قد أكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية محمد عبد الحفيظ هني في وقت سابق، أن الشعب الفلاحية الرئيسية قد سجلت زيادة معتبرة في الإنتاج في 2022.
الفلاحة في صلب الإهتمامات
وأكد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان في تصريح سابق له، أن القطاع الفلاحي عرف فعليا “قفزة نوعية” في مختلف فروع الإنتاج, وذلك بفضل التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون التي وضعت الفلاحة في صلب الإهتمامات الكبرى للبلاد والتي كرسها مخطط عمل الحكومة.
وتعليقا على الإنجازات الخاصة بالموسم الفلاحي 2022، قال الخبير الإقتصادي بوجمعة نطاح في تصريح أدلى به لموقع ” سهم ميديا”، أنها ارتبطت ارتباطا وثيقا بإستراتيجية الدولة الممتدة على عدة سنوات والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي من المواد الزراعية الإستراتيجية، معرجا إلى أهم ما أقدمت عليه الجزائر أبرزها رفع سعر شراء مادة الحبوب من الفلاح معتبرا الخطوة بأهم إجراء وقفزة نوعية لصالح الفلاح لتوسيع المساحات المزروعة والمسقية، أما بالنسبة إلى النتائج فستثمر في 2022-2023
كما رفعت السلطات العليا للبلاد الضرائب و الرسوم على أغذية الأنعام والزام المنتجين بدفع محاصيلهم لتعاونيات الحبوب والبقول الجافة بهدف التحكم في الأرقام إلى جانب اتخاذ تدابير خاصة بالسقي التكميلي وتسهيل إجراءات حفر الآبار الموجهة للسقي الزراعي والتجميد المؤقت لحرفة إنتاج الفحم بعد تسجيل بعض التجاوزات أدت إلى إتلاف بعض المحاصيل الزراعية والغابية.
بنك وطني للبذور….تعزيز أكثر للأمن الغذائي
وعكفت الجزائر خلال 2022 على إنشاء ديوان تطوير الزراعات الصناعية بالأراضي الصحراوية تحت وصاية وزارة الفلاحة والتنمية الريفية في 22 سبتمبر 2020 وذلك لترقية الإستثمار الفلاحي والصناعات الزراعية عن طريق استصلاح الأراضي الصحراوية والتسيير العقلاني للعقار ومرافقة حاملي المشاريع المدمجة والتصدي للصعوبات والعراقيل البيروقراطية.
ومن أجل الحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية، أنشأت الجزائر “بنك البذور “، بعد إحصاءها لما يُناهز عن 6 آلاف سلالة نباتية لأنواع البقوليات الغذائية والعلفية والمحاصيل البقلية والحبوب بأنواعها بالإضافة إلى 20 حاوية للسلالات الحيوانية، منها البقر، الماعز، الخيول وسلالات أخرى. وهي أصناف متأقلمة مع التغيرات المناخية ومقاومة للأمراض، الهدف من هذا كله هو لتعزيز الأمن الغذائي ووقف استيراد البذور في الوقت الذي تعدت فيه واردات القطاع الفلاحي في الجزائر 11.5 مليار دولار حسب الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان نقلته الإذاعة الوطنية.
وأكد الوزير الأول أن افتتاح هذا البنك يحمل الكثير من الدلالات التي تثبت أن الجزائر تسير بخطى واعدة نحو تعزيز الأمن الغذائي للبلاد, مجددا قوله أن الجزائر قادرة على رفع التحديات وكسب الرهانات عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العليا للبلاد, خاصة في ظل الظروف الدولية الجيو-إستراتيجية الراهنة التي تفرض على البلاد المزيد من العطاء.
قفزة نوعية في فروع الإنتاج
عرف إنتاج البطاطا التي تعد من المنتجات الغذائية الأساسية في الجزائر منحى تصاعديا, حيث تم جني في 2022 أزيد من 44,2 مليون قنطار أي بزيادة قدرها 30 بالمائة مقارنة بالعام الماضي, وفقا للأرقام التقديرية التي قدمها الوزير هني.
أما شعبة الطماطم الصناعية, فقد استقر إنتاجها في حدود 23 مليون قنطار, بينما ارتفع إنتاج الزيتون (زيتون المائدة وزيتون الموجه لإنتاج الزيوت) إلى 9,5 مليون قنطار في 2022 أي بزيادة قدرها 34 بالمائة مقارنة ب2021. كما عرف إنتاج شعبة البقول الجافة الذي بلغ 1,2 مليون قنطار, ارتفاعا ب 20 بالمائة مقارنة بالموسم السابق, أما على رأس الشعب الإستراتيجية للقطاع, شعبة الحبوب التي بلغ إنتاجها 41 مليون قنطار في الموسم الفلاحي 2021/2022 أي بزيادة قدرها 48 بالمائة مقارنة بالموسم الذي سبقه. يضيف ذات الوزير.
وفي شعبة اللحوم، فقد وفرت الجزائر في رمضان 2022 نحو 47 ألف طن من اللحوم البيضاء خلال الشهر الفضيل وفتح 150 نقطة لبيعها عبر ولايات الوطن بأسعار لم تتجاوز الـ330 دينار للكلغ بعد توقيع إتفاقية مع المجلس الوطني المهني المشترك لشعبة الدواجن والديوان الوطني لأغذية الأنعام وتربية الدواجن “أوناب” لتزويد المربين بالكتاكيت التي لا تتعدى أعمارها يوما واحداً بسعر ـ80دج للوحدة خارج الرسم. وبالمقابل يلتزم المربون بتسليم إنتاجهم من الدواجن المسمنة إلى هذه الفروع التابعة للديوان. كما أطلقت الجزائر أيضا خلال السنة الجارية عملية إحصاء وطنية للثروة الحيوانية بغرض عقلنة دعم هذه الشعبة مع التجميد المؤقت لأسواق الماشية لحصر العدد الفعلي للمواشي مع تسهيل إجراءات المقايضة وتنظيم شعبة اللحوم الحمراء في الجنوب الكبير.
وأظهرت الأرقام التقديرية أن شعبة اللحوم الحمراء لسنة 2022 ارتفع إنتاجها إلى 5,7 مليون قنطار بزيادة قدرها 6 بالمائة مقارنة بالعام الماضي, في حين سجل إنتاج اللحوم البيضاء ارتفاعا إلى 4,8 مليون قنطار في هذه السنة بزيادة قدرها 11 بالمائة.وبلغ إنتاج الحليب الطازج 3,4 مليار لتر في 2022 بزيادة قدرها 2 بالمائة, حسب الأرقام التي عرضها الوزير محمد عبد الحفيظ هني.
وفي مجملها، تقدر القيمة الإجمالية للإنتاج الفلاحي خلال العام الجاري بحوالي 4500 مليار دج حسب الإحصائيات المؤقتة, مقابل 3500 مليار دج في عام 2021 أي ما يمثل زيادة قدرها 31 بالمائة وسمح هذا الإنتاج بتغطية الإحتياجات الوطنية من الغذاء بنسبة 75 بالمائة, يؤكد الوزير في سياق عرضه للبيانات نقلتهم الإذاعة الوطنية.
بخطى ثابتة لضمان الأمن الغذائي وتخفيض فاتورة الإستيراد
أما بخصوص موقع الجزائر من التبعية الغذائية، كشف الخبير نطاح ل “سهم ميديا”، أن الجزائر تستورد نحو 7 ملايين طن من القمح اللين، بينما تبلغ فاتورة إستيراد مادة القمح بـ 1.5 مليار دولار سنويًا، لكن الجزائر استطاعت تحقيق اكتفاء ذاتيا في إنتاج القمح الصلب، بإنتاج مليوني طن سنويا، غير أن إنتاج القمح اللين لا يزال ضعيفا، وهي المادة المستهلكة الأكثر في الجزائر، وتشكل مادتي الخبز المصنع من القمح اللين، ومادة الفرينة المدعمة، من المواد الأكثر استهلاكا في البلاد، مذكرا ذات الخبير بحجم تبذير مادة الخبز في الجزائر بما يعادل 10 ملايين خبزة يوميا، أي مقدار مليون طن من القمح اللين، بخسارة مالية تتجاوز 340 مليون دولار حسب بعض الإحصائيات الواردة من جمعيات حماية المستهلك.
وأشار المحلل الإقتصادي إلى تحذيرات منظمة الفاو فيما سبق من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على توقف إنتاج وتصدير القمح ما تسبب في تفاقم سوء التغذية، وانتشار المجاعة و كذا الإنكماش الإقتصادي العالمي لولا ميل الكفة الإقتصادية لصالح الإمداد خاصة و أن روسيا وأوكرانيا يؤمنان حوالي 30 في المائة من صادرات القمح في العالم.
وتعمل الجزائر على مواجهة التحديات لتحقيق الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي وتلبية احتياجاتها الغذائية من خلال جملة من الإجراءات تمثلت في توسيع المساحات الزراعية الإستراتيجية كالقمح والذرة والحبوب والبقوليات والزارعات الزيتية والأعلاف، حيث تم توزيع المساحة المتعلقة بالزراعات الإستراتيجية كالحبوب والبذور والسكر والسلجم الزيتي والطماطم الصناعية على الولايات الخمس(أدرار وتيميمون والمنيعة وورقلة وإيليزي) بغرض إقامة أقطاب زراعية موجهة للزراعة المكثفة في الجنوب لضمان الأمن الغذائي والتخفيض من فاتورة الإستيراد إلى جانب بعث أساليب الصناعة الغذائية والتوظيب لخلق مناخ اقتصادي نشيط.
وسطرت الجزائر في سياق متصل برنامجا لاسترجاع العقار الفلاحي غير المستغل وتشجيع الفلاحين الممونين للمخزون الإستراتيجي للدولة على اعتبارهم شركاء اجتماعيين بدعمهم بالقروض والأسمدة والإمتيازات الجبائية ناهيك عن ترخيص الدولة الجزائرية بإستيراد العتاد الفلاحي والمكننة اللازمة واهتمامها المطلق بتطوير قطاع الصناعات الميكانيكية لتغذية متطلبات القطاع الفلاحي مع تكثيف محطات تحلية مياه البحر و الدراسات التقنية الإقتصادية تتعلق بتوفير المياه الكافية والرفع من منسوب المياه الجوفية للسهول والمناطق الداخلية وربط المستثمرات الفلاحية بالكهرباء والغاز والمياه.
وعلى صعيد ما تتوفر عليه الجزائر من إمكانيات حتى تبلغ آفاقا ناجحة في القطاع الفلاحي مستقبلا، تطرق ذات المحلل إليها بالتفصيل، حيث تحصي الجزائر حوالي 9 مليون هكتار مساحات زراعية ، و4 ملايين من الغابات، و32 مليون هكتار من مساحات الرعي وأكثر من مليون وألف مزارع. وفيما يتعلق بالناتج المحلي الخام للقطاع فيبلغ 13.5 بالمائة، ونسبة نمو بـ 2 بالمائة، ويوظف القطاع الفلاحي 2.6 مليون عامل، أي 20 بالمائة من اليد العاملة، ويبلغ الإنتاج الزراعي 25.6 مليار دولار سنويًا، ويغطي الإنتاج الوطني 73 بالمائة من احتياجات الساكنة.
وأضاف ذات المتحدث أن المساحة المخصصة للحبوب تقدر ب 3.3 مليون هكتار، بمردود في حدود 50 قنطار للهكتار الواحد، منها 200 ألف هكتار في الزراعة الصحراوية وقد يصل الإنتاج إلى 100 قنطار للهكتار. بينما تحصي بلادنا حوالي 30 مليون قنطار من الحبوب خلال الموسم الحالي معتبرا قدرة الجزائر بتلبية كل الإحتياجات الداخلية بالكفيلة بذلك. أما المساحة القابلة للإستصلاح في الجزائر فتبلغ 1.4 مليون هكتار، تتوزع على ولايات بسكرة، واد سوف، المنيعة، ورقلة، أدرار إليزي، بشار، عين صالح وعين قزام، بخاصية تتمثل في إنتاج المحاصيل غير الموسمية.
ونظرا لما تتوفر عليه الجزائر من ثروة مائية ضخمة وأمام الطاقات المتجددة ومشاريع تحلية مياه البحر، بإمكانها أن تسهم بشكل جيد في مردود القطاع الفلاحي، ضف إلى ذلك توفرها أيضا على الثروة الغابية التي من شأنها خلق أنشطة فلاحية تتماشى وطبيعة المناطق.
وتبذل الجزائر قصارى جهدها لتكريس مبدأ الأمن الغذائي للبلاد الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من أمننا الوطني، إذ تهدف الجزائر إلى بلوغ الأمن الغذائي بمردود 50 قنطار في الهكتار حسب ما أشار إليه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان مؤكدا أن اعتماد الجزائر بشكل كلي على الإنتاج المحلي من البذور في الزراعة يمثل تحديا كبيرا لابد أن يكثف القطاع الفلاحي من جهوده للنجاح في تحقيق هذا المبتغى.