ركود وبطالة ..أي أثر لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي؟

اقتصاد العالم

من الخصائص الملازمة للازمات الدورية التي تضرب الاقتصاد على المستويين الدولي والمحلي ان يحدث اختلال واضح في إحدى الأسواق الثلاث: إما سوق المال، أو سوق العمل أو سوق النقد، أو أن يكون الأثر بتلك القوة التي تعصف بالثلاثة معا..

ولم تشذ تداعيات جائحة كورونا في شقها الاقتصادي عن هذا القانون، فقد تسبّبت إجراءات غلق الحدود ومنع الحركة من وإلى الأسواق عالميا ومحليا في انعكاسات توصف بالخطيرة والمدمرة على سوق العمل العالمية، حيث فقد ملايين العمال والموظفين مناصبهم، ليواجه الاقتصاد العالمي أزمة جديدة على صعيد البطالة التي تفاقمت بشدة وبشكل مطرد منذ بداية الأزمة الصحية.

اختلال مرعب في سوق العمل

تسببت التخفيضات الحادة غير المتوقعة في النشاط الاقتصادي في انخفاض كبير في التوظيف، سواء من حيث عدد الوظائف أو ساعات العمل الإجمالية. فمع تزايد عدد عمليات الإغلاق الجزئي أو الكلي التي تُقيد الأعمال و العمال، أصبح من المستحيل سير نسق العمل بوتيرة عادية. إلى جانب ذلك، عانى معظم العمال من تغييرات جذرية في أساليب عملهم. فقد أثرت الجائحة بشدة على عديد من أنشطة قطاع الخدمات (الفندقية السياحية، والخدمات الغذائية، وتجارة التجزئة، وما إلى ذلك)، بينما يعاني التصنيع من اضطرابات على طول سلاسل التوريد (مثل قطاع السيارات) وانخفاضات حادة في الطلب على السلع.

كما لم ينأ الاقتصاد غير الرسمي عن هذه النتائج السلبية, ففي الولايات المتحدة مثلا وهي نموذج للاقتصاد الذي يشهد حركية وتشغيل شبه كامل، شهدت سوق العمل أكبر انهيار لها على الإطلاق، إذ تجاوزت الزيادة في عدد طلبات الحصول على إعانة البطالة تلك المسجلة خلال فترة “الكساد الكبير” مع احتساب الفرق في عدد السكان.

وأظهرت بيانات حديثة لوزارة العمل الأميركية ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته في 80 عاماً، وفي الهند كانت الأزمة أشد عنفاً، فقد بلغ عدد العاطلين نحو شخص بين كل 4 أشخاص. كما خسرت كندا 3 ملايين وظيفة خلال شهري مارس وأفريل 2020. وفي النمسا، ارتفع أعداد العاطلين إلى مستوى قياسي لم يحدث منذ عام 1946.

كما تشير البيانات إلى أن نحو 59 مليون وظيفة مهددة بالإنهاء الدائم أو خفض الرواتب في أوروبا، فيما تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن الدول العربية والآسيوية هي أكثر مناطق العالم المتأثرة اقتصادياً بسبب جائحة (كوفيد-19). وأكبر الخسارات من ناحية الأرقام تتركّز في دول آسيا والمحيط الهادئ، وهي أكثر المناطق المأهولة بالسكان في العالم.   وذكرت المنظمة، في تقرير حديث، أن تداعيات الجائحة على القطاع الاقتصادي تفوق سوءاً الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008.

أكثر القطاعات تأثرا

بالنسبة إلى القطاعات الأشدّ تأثراً، ذكرت منظمة العمل أن العاملين في أربعة قطاعات هم الأكثر تأثراً بسبب المرض وتراجع الإنتاج، حيث من المتوقع أن يفقد قطاع الغذاء والفنادق نحو 144 مليون وظيفة، والبيع بالجملة والتجزئة 582 مليون وظيفة، وخدمات الأعمال والإدارة نحو 157 مليون وظيفة، والتصنيع من المتوقع أن يفقد 463 مليون وظيفة. وذكرت المنظمة أن هذه القطاعات الأربعة تشكّل ما نسبته 37.5 في المئة من سوق التوظيف العالمية.

وقد اعتمدت التقديرات المشار إليها على ما يسببه انتشار فيروس كورونا المستجد من تقييد تحركات الأفراد بين الدول وداخل الدولة الواحدة، وأيضاً على الأثر الناجم عن إغلاق بعض المؤسسات والمنشآت، بخاصة تلك العاملة في مجال الصناعة والخدمات والتي تستوعب أعداداً كبيرة من الموظفين والعاملين.

تركيبة سوق العمل بعد الجائحة

في سياق متصل، من المتوقع انه فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة، فإن تركيبة سوق العمل معرضة بدورها للتغير والتحوير، فاختفاء وظائف أو تغيرها او ظهور أخرى جديدة كلها خطوط ترسم معالم خارطة سوق العمل الجديدة ما بعد الكوفي، فقد اتضح ان العمل عن بعد صار خيارا مقبولا بل أحيانا محبذا ومفضلا عن العمل الحضوري،

الفقراء الجدد

على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، ألحقت جائحة كورونا أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، وتُنذِر الآن بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر. فبعد عقود من الجهود التي افضت الى التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، سيشهد هذا العام   انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع في جيل كامل.

وتتوقَّع مجموعة البنك الدولي أن تكون أكبر شريحة من “الفقراء الجدد” في جنوب آسيا، تليها مباشرة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. ووفقاً لأحدث نسخة من تقرير الفقر والرخاء المشترك، فإن “كثيراً من الفقراء الجدد يشتغلون على الأرجح في قطاعات الخدمات غير الرسمية، والإنشاءات، والصناعات التحويلية – وهي القطاعات التي تأثَّر فيها النشاط الاقتصادي بشدة من جراء الإغلاقات العامة والقيود الأخرى على الحركة والانتقال.”

هل اقتصر الأمر على البطالة؟

الى جانب التأثير الهائل على العمالة وهي مؤشر هام من مؤشرات الاقتصاد الكلى، نجد ان تداعيات الجائحة لم تستثن رافدا هاما من روافد ميزان المدفوعات الا وهو التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى بلدانهم واسرهم تحديدا والتي تشكل مصدر عيش لهذه الاسر.  فخلال العقود المنصرمة، تزايدت أهمية الدور الذي تلعبه هذه التحويلات في تخفيف وطأة الفقر وتعزيز النمو. ففي العام الماضي فقط، كانت هذه التدفقات المالية مساويةً للاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الإنمائية الرسمية (من حكومة إلى حكومة).

ولكن جائحة كورونا أحدثت انتكاسة شديدة، حيث خلصت أحدث تنبؤات البنك الدولي إلى أن التحويلات المالية ستنخفض بنسبة 14% بنهاية عام 2021، وهي نظرة مستقبلية تعزز حقيقة أن هذه التراجعات غير مسبوقة. فمن المتوقع أن تشهد كل المناطق تراجع التحويلات المالية، وأن تُسجِّل أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع.

كتب بواسطة: سايح سليمة حاكي