افتتاحية سهم الشعب يختار الاستمرارية ومواصلة البناء

ماذا نعني بتعويم العملة؟ وكيف يؤثر على اقتصاد الدولة؟

مفاهيم سهم

في كل بلدان العالم، يتم تنظيم الشأن الاقتصادي باعتماد ثلاثة سياسات: السياسة المالية، السياسة النقدية والسياسة الاقتصادية، يعتبر البنك المركزي هو الرقم الأساسي في السياسة النقدية في جل بلدان العالم، ومن بين اهم أدوات السياسة النقدية التي لها أثر وتأثير كبير في تعديل وتصحيح مسار العملة في السوق نجد تعويم العملة الوطنية.

مع اشتداد الأزمة الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا، سارعت الدول حول العالم لإيجاد حلولا مالية ونقدية للتعافي والتكيف مع الأزمة، منها “تعويم العملة الوطنية”.

تلجأ الدول إلى سياسة تعويم عملتها، في حالة اضطرابات الأوضاع الاقتصادية والمالية، وتزايد المضاربات في سوق النقد الأجنبي وفقدان البنك المركزي السيطرة عليه.

تؤثر هذه الاضطرابات على أداء ميزان المدفوعات للدولة (أي كمية النقد المتحركة من وإلى الاقتصاد الوطني)، وتتسبب في اتساع حجم العجز التجاري (كمية السلع والخدمات المتحركة من وإلى الاقتصاد الوطني)، في ظل انكماش الاستثمار الأجنبي الوافد، بسبب تراجع الثقة في مستقبل الاقتصاد.

لقد حررت دول عدة، مثل الصين والهند والبرازيل والأرجنتين وماليزيا ومصر والمغرب والعراق والسودان، سعر صرف عملتها خلال السنوات والعقود الماضية، لكن هذه التجارب لم يحالفها النجاح بنسبة كبيرة إلا في الصين والهند، بفضل الصادرات المرتفعة مما يعني وجود جهاز إنتاجي قوي ومرن يستجيب لتغيرات الطلب، وتدني أسعار المنتجات المحلية نظرا لتدني تكلفة عوامل الإنتاج فبها، ما عزز الإقبال عليها خارجيا ومحليا.

ما هو تحرير العملة؟ 

تعويم العملة: ماذا نعني بهذا المصطلح؟
تعويم العملة: ماذا نعني بهذا المصطلح؟

يعرف “التعويم” بالسعر العائم أو المحرر لصرف العملة ويشار إليه ايضا باسم سعر الصرف العائم  (floating exchange rate)، ويتمثل ببساطة في أن يسمح  البنك المركزي لسعر صرف عملته الوطنية، ومعادلتها مع عملات أخرى، أن يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية.

وتتوقف سياسات الحكومات في تعويم عملاتها تبعا لمستوى تحرر اقتصادها الوطني وقوة تجارتها الدولية وكفاءة الإنتاج المحلي، هذه العوامل مجتمعة تحدد قوة تنافسية الاقتصاد ودرجة حرية الدولة في تحرير عملتها.

وتتعرض أسعار صرف العملات العائمة لتقلبات باستمرار، مع أي تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى أنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد.

وتقدم بعض البلدان على اتباع هذه الاستراتيجية لكسب هامش تنافسي أكبر في التجارة العالمية، من خلال تشجيع الصادرات على حساب الواردات، وربما يكون ذلك تكريسا لتدابير سياسة حمائية تطبقها الدول حفاظا على اقتصاداتها الناشئة او المتضررة لسبب ما كالكوارث او الازمات الدورية… ولتقليل الأعباء المترتبة على الديون السيادية للدولة.

نوعا التعويم

يتضمن التعويم نوعين:

التعويم الحر: يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن، بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنك في هذه الحالة في التأثير على سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير.

ويعد التعويم الحر المفضل للدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة في التعاطي مع عملاتها، بفضل قوة ميزانها التجاري أي تفوق قيمة صادراتها على قيمة وارداتها، والدعم الذي تقدمه الاقتصادات للعملات، وتستهدف منه خفض الواردات أو زيادة الصادرات السلعية.

بهذه الطريقة ستتسارع وتيرة الإنتاج المحلي مما يؤدي الي ارتفاع الطلب الداخلي تلقائيا فيؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الإقبال على السلع المحلية، ما ينعكس على حاجة منتجي تلك السلع وموزعيها ومن يعملون ببيعها إلى توفير المزيد من الوظائف، ما يقلل البطالة ويقدم دفعة للسوق المحلي.

التعويم المدار أو الموجه: ويعني ترك سعر الصرف يتحدد وفقاً للعرض والطلب على العملة الوطنية، مع تدخل البنك المركزي كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات.

يعتمد هذا النوع على تحديد استجابة مجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة (الفرق) بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية (السوق السوداء).

وينتهِج هذا الاسلوب من تعويم العملة بعض البلدان النامية التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك الفرنسي (سابقاً) أو بسلَّةٍ من العملات مثل مصر والمغرب والسودان.

كيف يؤثر التعويم في تخفيف الضغوط على الاقتصاد؟

تؤكد تقارير صندوق النقد الدولي، أن البلدان التي تتسم أهدافها التضخمية بدرجة جيدة من الثبات، أي أن الدولة تستهدف نسبة تضخم صحية مرغوبة تعتمد على مرونة سعر الصرف لتخفيف الضغوط الخارجية.

وتابعت التقارير: “يمكن لأسعار الصرف المرنة، أن تكون بمثابة أداة مفيدة لامتصاص الصدمات، في مواجهة تقلب تدفقات رؤوس الأموال الي السوق الوطنية”.

وأشار الصندوق كذلك إلى أن هذه الآلية لا تحقق الوقاية الكافية في كل الأحوال، ولا سيما حين تتعطل إمكانية النفاذ إلى أسواق رأس المال العالمية (اما بالاستثمار خارج الوطن او استجاب الاستثمار الأجنبي المباشر)، أو يكون عمق الأسواق محدودا. “التدخل في سوق الصرف الأجنبي، كان ضمن أدوات سياسات البنوك المركزية المكملة لسياسة سعر الفائدة، عند التعامل مع تدفقات رؤوس الأموال”.، بحسب الصندوق.

كيف ينعكس التعويم على الاقتصاد الوطني؟

تعويم العملة: كيف ينعكس على الاقتصاد؟
تعويم العملة: كيف ينعكس على الاقتصاد؟

يؤدي التعويم عملياً إلى إحدى الحالتين: رفع قيمة العملة المحلية أو خفضها، وكلتا الحالتين تؤثران في الأسعار وفي التجارة الخارجية وفي النمو الاقتصادي عامةً.

وتختلف هذه الآثار بحسب طبيعة البلد الذي عوَّم عملته، إذ تختلف هذه الآثار في البلدان الصناعية المتقدمة عنها في البلدان النامية، ففي حال أدى تعويم عملة ما إلى ارتفاع سعر صرفها مقابل بقية العملات، أي إلى ارتفاع سعر معادلتها مع العملات الأجنبية؛ فإن ذلك يؤثر سلباً في حركة الصادرات، لأن أسعار السلع المحلية تصبح مرتفعة للمستوردين الأجانب فينخفض الطلب عليها (وفقاً لدرجة مرونة الطلب)، ويؤدي ذلك إلى زيادة الواردات لأن أسعار السلع الأجنبية تصبح أرخص للمستوردين المحليين، مما يسهم في عجز الميزان التجاري، ويمكن أن تتشجع رؤوس الأموال المحلية للاتجاه نحو الاستثمار الخارجي لأنه أصبح في الإمكان مبادلة وحدة العملة المحلية بوحدات أكثر من العملة الأجنبية، وبذلك يتأثر ميزان مدفوعات الدولة تأثراً سلبياً(اي خروج العملة الي الخارج)، وتتأثر الصناعة المحلية بتعرضها لمنافسة الواردات، ويتباطأ النمو وترتفع درجة البطالة.

إلا أن ذلك لا ينفي ايجابيات التعويم في حالات أخرى، فحسب بيانات بنوك مركزية حول العالم، يأتي القضاء على السوق السوداء أحد أهم الإيجابيات لعملية التعويم، إذ يعيد للبنك المركزي دفة قيادة ملف النقد الأجنبي في الدولة، بعيدا عن تحكم شركات الصرافة والتجار.

كما يقضي “التعويم” على ظاهرة “الدولرة” والتي تعني احتفاظ المواطنين بالدولار والإقبال على شرائه من دون سبب، مما يسبب شح السيولة الأجنبية داخل الأسواق.

ويقدم التعويم دعما كبيرا في تقليص عجز ميزان المدفوعات، ويدعم تدفقات الاستثمار الأجنبي وبالتالي تدفقات العملة الصعبة الي الاقتصاد الوطني، وزيادة الصادرات السلعية.

ويستفيد أصحاب الأصول العينية مثل العقارات أو المصانع أو الأراضي، من ارتفاع قيمتها دون تأثر مدخراتهم، كذلك من يحوزون العملات الأجنبية إذ تتضاعف ثروتهم بالعملة المحلية من دون مجهود.

مثال لتبسيط تعويم العملة

أمئلة لتعويم العملة
أمئلة لتعويم العملة

العملة هي كأي سلعة في السوق، فلنفرض أن الدولة تقدم سلعة السكر للمواطنين بسعر مدعم بشكل كامل (كالمركزي عندما يقدم العملة بسعر صرف ثابت أمام العملات الأجنبية) حيث تستورد السكر من الخارج وتقوم بإعطائه للمواطنين بسعر ثابت غير قابل للتغير، ففي مقابل كيلو سكر واحد سيدفع المواطن عدد معين من الوحدات النقدية، وفي حال ارتفع سعر السكر أو انخفض في العالم سيظل سعر السكر عند المبلغ نفسه، وليس على المواطن التفكير هنا بآثار انخفاض السكر أو ارتفاعه عالميًا عليه، بينما ستتحمل الدولة كامل هذا الحمل.

ولكن الحقيقة أن الدولة ليست لوحدها في السوق، فهناك التجار والمستوردون الذين يوردون للسوق كميات سكر من نوعيات مختلفة يحاولون تقديمه بسعر أدنى من سعر الدولة (مضاربة) فتحاول الدولة مجاراتهم بتقديم دعم أكبر للسلعة بهدف خفض السعر أكثر، وفجأة لم تعد الدولة قادرة على تحمل فاتورة الدعم، فتقوم بالتخلي عن سياسة الدعم مقابل تبني سياسة تحريرية (أو تعويم السعر) وتوكل للتجار في السوق عملية تحديد سعر الكيلو وفق ما يقتضيه العرض والطلب، ليصبح السعر وقتها مرتبطا بالسعر العالمي للسكر.

كتب بواسطة:

أستاذة سايح سليمة حاكي 

خبيرة في الإقتصاد والتحليل الاستراتيجي