يعتبر ميناء الحمدانية بمنطقة شرشال ولاية تيبازة غرب الجزائر العاصمة مشروع اقتصادي جزائري كبير سيغير تماما من خارطة الاقتصاد الجزائري وخارطة النقل في الجزائر، وهذا بالنظر إلى ضخامته وإلى الآمال الكبيرة المنعقدة عليه.
ويتم انجاز هذا المشروع الضخم بالشراكة بين الجزائر مع الصين، والذي يتوقع أن يكون أحد أكبر الموانئ في العالم، وأن تصل كلفته إلى 6 مليارات دولار، في وقت من المتوقع أن تنتهي عملية البناء والتشييد قبل سنة 2030.
وكان المجمع العمومي الوطني لمصالح الموانئ الجزائرية وقع في يناير 2016 مع شركة CSCEC والشركة الصينية لهندسة الموانئ بالعاصمة الجزائر على مذكرة تفاهم لإنجاز مشروع الميناء التجاري الجديد بتكلفة تقدر يومها بـ3.3 مليار دولار.
وكانت الصفقة تقدر سنة 2016 بنحو 3.3 مليار دولار، غير أن تكلفة الإنجاز رشحت أكثر من مرة للارتفاع لكون المشاريع الضخمة تتطلب في كل مرة أموالاً إضافية لإنجاز الملحقات اللوجيستية، واستيفاء المعايير الدولية الحديثة.
وفي يوليو 2019 أصدرت الجزائر مرسوما رئاسيا يصادق على مذكرة تفاهم موقعة مع الصين بتاريخ 4 سبتمبر 2018 في بكين حول التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
قدرات ضخمة
ووفق دراسة أولية صدرت في عام 2018، سيضم ميناء الحمدانية 23 رصيفاً، ويعالج 6.5 مليون حاوية، و25.7 مليون طن من البضائع سنوياً.
وسيشغل الميناء مساحة قدرها 310 هكتارات، فيما ستخصص نحو 1916 هكتاراً للمناطق اللوجستية، وهي عبارة عن موانئ جافة ومناطق عبور بري مؤقت للحاويات.
ويعتبر البروفيسور والخبير الاقتصادي مراد كواشي في تصريح لـ” سهم ميديا أن “هذا الميناء سيجعل الجزائر رقم تجاري بامتياز يضاهي مناطق تجارية في دبي وأبو ظبي وميناء الإسكندرية”.
وأشار الخبير الاقتصادي الى أن “الجزائر بحاجة كبيرة إلى مثل هذا الصرح من أجل إعطاء دفع آخر للتنمية الاقتصادية في الجزائر خاصة في إطار الإصلاحات العميقة التي تشهدها في الوقت الراهن.”
التمويل
ولعبت الأهمية الاستراتيجية للمشروع دورا كبيرا في تحفيز “العملاق الآسيوي” الصين على الدخول في عملية التمويل، لأنه يقع ضمن مسلك طريق الحرير الجديد، الذي يربطها بأوروبا وبقية مناطق العالم، اذ قرر الجانب الصيني التكفل بالتمويل الكامل للمشروع، بصيغة “قرض طويل الأمد”، نظراً للصعوبات المالية التي شهدتها آنذاك الجزائر بعد فقدانها لأكثر من 50% من مداخيل النفط منذ عام 2014، بسبب تهاوي أسعارها في السوق الدولية.
وتراجعت الجزائر عن فكرة التمويل الصيني الكامل، وتبنت خيار التمويل المشترك، بقرض من “الصندوق الوطني الجزائري للاستثمار”، والبنك الصيني “إكزيم بنك”.
مبادرة الحزام والطريق
وسيكون مشروع ميناء الحمدانية إحدى المحطات الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق، وهو ثمرة العلاقات الثنائية القوية بين الصين والجزائر.
وشرعت الصين منذ 2016 بمبادرة مشاريع لموانئ حيوية على طول منطقة شمال إفريقيا، أهمّها ميناء الحمدانية بمنطقة شرشال غربي الجزائر العاصمة، وهو الميناء الذّي يراه الصينيون حيويا جدّا لتصدير سلعهم نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط، ودول عمق إفريقيا، وهو بمثابة مركز توزيع أساسي للبحر المتوسط.
ربط مع الطريق العابر للصحراء
وتهدف الجزائر الى ربط مشروع اقتصادي ضخم آخر بميناء الحمدانية وهو الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بمدينة لاغوس في نيجيريا، مروراً بعدد من الدول الإفريقية، والذي سيستغل لينقل عبره السلع والمنتجات لدول الساحل الإفريقي.
وأنهت الجزائر منذ سنوات الجزء الخاص بها من الطريق العابر للصحراء، والذي يمتد من الجزائر العاصمة إلى غاية ولاية تمنراست أقصى جنوب البلاد.
وتساعد الجزائر اليوم دولاً مجاورة مثل النيجر، على إنجاز بعض أجزاء الطريق، الذي يمتد على مسافة 4500 كيلومتر.
غار جبيلات
ويقول الخبير مراد كواشي أن “ميناء الحمدانية سيعطي إضافة نوعية لمشروع اقتصادي ضخم آخر هو غار جبيلات من خلال تصدير الحديد عن طريقه. شريطة بناء سكة حديدية تربط ما بين غار جبيلات وميناء الحمدانية”.
وفي هذ الصدد، تعول الجزائر على تطوير شبكة سككها الحديدية وإنجاز أخرى جديدة لما تفتحه من آفاق وفرص استثمار بالجنوب الغربي للبلاد في مختلف القطاعات، فضلا عن مداخيل الخزينة من الجباية والعملة الصعبة.
وينام منجم غار جبيلات الذي يقع بولاية تندوف الجنوبية على مخزون يفوق 3.5 مليارات طن وفق آخر الأرقام التي كشفت عنها تقارير حكومية ما يؤهله لأن يكون ثالث احتياط عالمي لمادة الحديد، ودخوله مرحلة الاستغلال سيمكّن الجزائر من طرح مليوني طن سنويا لمدة 400 سنة في السوق الدولية للحديد، ليضعها في المرتبة التاسعة عالميّا من حيث التصدير.
منطقة التبادل التجاري
ووفق ما أكده الرئيس عبد المجيد تبون في احدى تصريحاته، فإن “الهدف الاستراتيجي لهذا الميناء، هو فك العزلة عن الدول الإفريقية، التي ليس لها منافذ بحرية”، حيث تدخل دول غرب إفريقيا والساحل الإفريقي، بضائعها المستوردة من الخارج عبر الكاميرون.
وسيوفر ميناء الحمدانية، مزجاً بين النقل البحري والبري للبضائع، ويخفف التكلفة والوقت، حيث تشير التقديرات إلى أن المدة التي ستقضيها الحاوية من ميناء الحمدانية إلى دول الساحل لن تتجاوز ثمانية أيام.
ويقول الخبير كواشي أن “الدور المحوري الذي تود أن تلعبه الجزائر على المستوى الإفريقي وتدعيم عمقها الافريقي لن يتم إلا من خلال الميناء الذي سيجعل من الجزائر بوابة حقيقية لإفريقيا يتم من خلاله استيراد مختلف السلع بالنسبة للجزائر وكل دول افريقيا”.
بريكس
ويبقى هدف وطموح الجزائر الى دخول مجموعة “بريكس” قائما خاصة في حال توفرها مستقبلا على ميناء عالمي كبير يسهل المبادلات التجارية والاقتصادية بين افريقيا وباقي العالم.
وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير كواشي أن “انضمام الجزائر لمجموعة بريكس والتعاملات مع دول عظمى اقتصاديا مثل الصين والهند يتطلب ميناءا كبيرا وبواخر عملاقة”.
واحتواء الجزائر على ميناء عالمي كبير وضخم مستقبلا يؤهلها لانتزاع تأشيرة لدخول هذه المجموعة، خاصة وأن الجزائر تعد بوابة القارة الإفريقية التي تسعى الصين التي تعتبر احدى الدول الكبرى في البريكس إلى التوغّل فيها اقتصاديا عبر مشروع “طريق الحرير”.