افتتاحية سهم الشعب يختار الاستمرارية ومواصلة البناء

لبنان بين مطرقة السلام وسندان السيادة: هل يُفرَض الاتفاق على حساب الوطن؟

مقالات رأي

في ظل الوضع الكارثي الذي يعيشه لبنان، تتزايد التساؤلات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل بعد عدوان بري دمّر البلاد، واغتيال شخصية محورية مثل سماحة السيد حسن نصرالله. كيف يمكن للبنان الممزق اقتصاديًا والمثقل بأزمات نازحين وتغيّرات ديموغرافية أن يحافظ على سيادته واستقلاله في مواجهة ضغوطات إقليمية ودولية قد تدفعه إلى توقيع اتفاق بشروط غير متوازنة؟

لبنان، الذي لطالما كان ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، يجد نفسه اليوم أمام تحدٍ جديد يذكّر بتاريخ طويل من التدخلات الخارجية. منذ حقبة الاستعمار الفرنسي، عانى هذا البلد الصغير من التلاعب بمصيره. ولعل الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان لأكثر من عقدين يُعد نموذجًا حديثًا لهذه التدخلات التي لم تقتصر على الاحتلال العسكري بل امتدت إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية في العصر الحديث.

أي اتفاق سلام محتمل بين لبنان وإسرائيل، يجب أن ينظر إليه من زاوية تاريخية وجيوسياسية دقيقة. فالسلام، رغم ضرورته لتجنب مزيد من الدمار، لا ينبغي أن يكون أداةً لإضعاف لبنان أو فرض هيمنة خارجية على مؤسساته. وما يثير القلق هنا هو السؤال عما إذا كان المجتمع الدولي سيتخذ من إعادة إعمار لبنان أداة ضغط لفرض شروط سياسية تخدم مصالح قوى خارجية على حساب حق لبنان في السيادة والكرامة.

لكن المشكلة الأعمق تكمن في الداخل اللبناني. فالحكومة اللبنانية، المنقسمة على نفسها، لا تزال عاجزة عن تقديم رؤية موحدة لمستقبل البلاد. والأزمة الاقتصادية المتفاقمة تجعل من الصعب الحفاظ على سيادة الدولة دون المساعدة الدولية. في المقابل، يجب أن تضمن أي اتفاقات سلام حماية التوازنات السياسية الحساسة في الداخل، حيث أن إضعاف قوى أساسية مثل حزب الله قد يفتح الباب لفوضى داخلية جديدة، خاصة وأنه يشكل جزءًا من المعادلة الأمنية اللبنانية.

من جهة أخرى، يبدو أن التغيرات الديموغرافية والجغرافية في لبنان باتت تشكل عاملًا محوريًا في أي مفاوضات مستقبلية. أزمة اللاجئين السوريين، التي تضغط بشدة على البلاد، قد تُستخدم كورقة ضغط في أي اتفاق مع إسرائيل، وربما يتم تضمينها في صفقات لإعادة التوطين أو الدعم الدولي. لكن السؤال الأهم يبقى: كيف يمكن للبنان أن يحافظ على هويته الوطنية وسط هذه التحولات الكبرى؟

في الختام، لا يمكن للبنان أن ينجو من هذا التحدي الكبير إلا عبر وحدة وطنية شاملة تقودها رؤية سياسية واضحة تعزز من مكانته الإقليمية والدولية. وأي اتفاق سلام مع إسرائيل يجب أن يُبنى على أساس من العدالة المتوازنة، وليس الهيمنة أو الإذعان لشروط خارجية. المجتمع الدولي مطالب بأن يدرك أن استقرار لبنان لا يمكن أن يكون ثمناً لتسويات سياسية لا تخدم مصالح الشعب اللبناني ولا تحفظ سيادته.

لبنان في مفترق طرق تاريخي، فإما أن يختار طريق السلام العادل الذي يحفظ حقوقه، أو يجد نفسه في دائرة جديدة من الصراعات والتبعية.