تسعى الحكومة الجزائرية منذ سنوات إلى تعزيز القدرة الشرائية لمواطنيها من خلال تقديم دعم مباشر في مجالات متعددة، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية، والوقود، والخدمات العامة.
وعلى الرغم من هذه الجهود، يواجه هذا الدعم تحديات كبيرة، حيث أصبح من الواضح أنه لا يصل إلى الفئات المستحقة بشكل فعّال. بل على العكس، يستفيد منه فئات أخرى، بما في ذلك الأثرياء والأجانب، مما يثير العديد من التساؤلات حول فعالية هذه السياسات.
دعم عشوائي
تُعتبر برامج الدعم التي تقدمها الدولة جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها لمواجهة غلاء المعيشة ومساعدة الفئات الضعيفة. ومع ذلك، يعاني هذا الدعم من عشوائية في التوزيع، حيث يحصل عليه الجميع بغض النظر عن دخلهم أو وضعهم الاجتماعي.
هذا الوضع أدى إلى استفادة بعض الشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب من الدعم، مما يجعل الدعم أقل تأثيرًا على تحسين الظروف المعيشية للفئات المستحقة.
ويشير الخبراء إلى أن هذا الدعم، رغم أهميته، يحتاج إلى مراجعة شاملة ليصبح أكثر فعالية. فعندما يحصل الأثرياء أو الشركات الكبرى على دعم حكومي، يتم تقويض الهدف الأساسي من هذه السياسات، وهو تحسين مستوى المعيشة للفئات الأكثر احتياجًا. وبالتالي، فإن جزءًا كبيرًا من الدعم المالي يُهدر على فئات لا تحتاج إليه، في حين تظل الأسر ذات الدخل المحدود في حاجة ماسة للدعم.
فعالية جزئية
في هذا الصدد، أعرب الخبير الاقتصادي أبوبكر سلامي عن قلقه العميق إزاء التدابير المتخذة لدعم القدرة الشرائية وتحسين الإطار المعيشي للمواطنين، مشيرًا إلى أن هذه التدابير للأسف تعود بالنفع على جميع المواطنين، بما في ذلك الأجانب والأثرياء والفقراء، بالإضافة إلى الأفراد والمؤسسات.
وأكد سلامي أن هذا الدعم العشوائي يكلّف الخزينة العمومية أكثر من نصف مداخيل الدولة، مما يجعله غير فعال، حيث يذهب الجزء الأكبر من هذه الموارد للاستهلاك بدلاً من الاستثمار في الإنتاج، مما يترك المواطن البسيط المحتاج يعاني من آثار هذه السياسات بشكل جزئي فقط.
كما أشار سلامي إلى أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات قانونية، مثل إعفاء واردات اللحوم البيضاء المجمدة من الرسم على القيمة المضافة حتى 31 ديسمبر 2025، وتمديد الإعفاء المؤقت للبقول الجافة والأرز والفواكه والخضروات.
ولفت الانتباه إلى تمديد النظام الخاص بتطبيق النسبة المخفضة للحقوق الجمركية على استيراد ماشية البقر واللحوم الطازجة، مما يظهر رغبة الحكومة في دعم الاستيراد، ولكنه يثير تساؤلات حول جدوى هذه الإجراءات في تحسين الوضع المعيشي للفئات الأكثر حاجة.
وفي ختام تصريحه، دعا سلامي إلى ضرورة إعادة النظر في سياسات الدعم وتوجيهها بشكل أكثر فعالية نحو الفئات المستحقة. كما أوصى بضرورة تعزيز الاستثمارات في الإنتاج المحلي وتوجيه الدعم نحو المشاريع التي يمكن أن تسهم في تحسين القدرة الشرائية بشكل حقيقي.
وأكد على أهمية تخفيض الفوائد على القروض الممنوحة من البنوك العمومية لتعزيز القدرة الشرائية للأسر، مشددًا على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لضمان أن يستفيد المواطن البسيط بشكل أكبر من هذه التدابير.