الجزائر في 2025: اقتصاد يستجيب لطموحات الوطن

افتتاحية سهم

بينما يطوي العالم عامًا مضى ويفتح صفحة جديدة لعام 2025، تقف الجزائر أمام فرصة ذهبية لترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة، مستندة إلى إنجازات بارزة حققتها خلال عام 2024. كان هذا العام شاهدًا على تحول اقتصادي ملحوظ في عدد من القطاعات، خاصة تلك التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي، التنويع الاقتصادي، وتعزيز مكانة الجزائر في الاقتصاد العالمي.

في القطاع الفلاحي، حققت الجزائر قفزة نوعية تعكسها أرقام الإنتاج الفلاحي الذي بلغ 37 مليار دولار، وفق تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون. هذا الرقم يمثل نجاحًا في تعزيز الأمن الغذائي، وخطوة كبيرة نحو تقليل الاعتماد على الواردات الزراعية. الإنجازات لم تتوقف عند هذا الحد؛ بل وضعت الجزائر أهدافًا طموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح اللين بعد النجاح في القمح الصلب، وهو ما يعكس رؤية لتحويل الزراعة من قطاع مستهلك إلى قطاع منتج وقادر على المساهمة في التصدير.

أما في مجال الطاقة، فقد ركزت الجزائر على استثمار إمكانياتها الكبيرة في الطاقات المتجددة. شهد عام 2024 انطلاق مشاريع طموحة للطاقة الشمسية، تهدف إلى تلبية الطلب المحلي المتزايد، وتحويل الجزائر إلى مصدر رئيسي للطاقة النظيفة في المنطقة. هذه المشاريع، بالإضافة إلى استثمارات أخرى في الغاز الطبيعي والموارد الأحفورية والمناجم، تمثل حجر الزاوية في استراتيجية الجزائر لتحقيق استقلالية طاقوية مستدامة.

وفي الوقت ذاته، أظهرت الحكومة اهتمامًا كبيرًا بتطوير البنية التحتية الرقمية. الرقمنة باتت ركيزة أساسية في السياسات الاقتصادية، حيث ساعدت على تحسين الخدمات الحكومية وتعزيز الكفاءة في القطاعات الاقتصادية المختلفة. من خلال رقمنة القطاعات الحيوية، مثل المالية والصحة والتعليم، أصبحت الجزائر قادرة على تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف وتوفير خدمات أفضل للمواطنين.

على الرغم من هذه العينة البسيطة من الإنجازات، فإن الطريق نحو تحقيق الطموحات الاقتصادية في 2025 ليس مفروشًا بالورود. هناك عدد من التحديات التي تواجهها الجزائر في سعيها لتحقيق تطلعاتها. التغيرات المناخية تمثل واحدة من أبرز هذه التحديات، خاصة في القطاع الفلاحي. تراجع هطول الأمطار وتأثيرات الاحترار العالمي يهددان الإنتاج الفلاحي، ما يتطلب استراتيجيات مبتكرة تتضمن تعزيز استخدام التكنولوجيا الزراعية وتوسيع المناطق الزراعية المروية.

الاستثمار يشكل تحديًا آخر، إذ لا تزال بعض العقبات البيروقراطية تمثل عائقًا أمام جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة الفساد وتطهير مؤسسات الدولة من “بقايا العصابة”، إلا أن هذا الملف لا يزال بحاجة إلى متابعة دقيقة لضمان خلق مناخ استثماري شفاف ومستقر. بالإضافة إلى ذلك، فإن السوق العالمية غير المستقرة، خاصة في قطاعات مثل الطاقة والموارد الطبيعية، تمثل عامل ضغط إضافي على الاقتصاد الوطني.

ومع ذلك، هناك العديد من القطاعات الواعدة التي يمكن أن تكون محركات للنمو في العام الجديد. قطاع المناجم، على سبيل المثال، يحمل إمكانات هائلة لتوفير مصادر دخل جديدة للبلاد. الموارد الطبيعية، مثل الفوسفات والذهب والليثيوم، يمكن أن تعزز من الصادرات الجزائرية وتنقلها من اقتصاد يعتمد على المحروقات إلى اقتصاد أكثر تنوعًا. قطاع الفلاحة يبقى أيضًا في صدارة الأولويات، مع خطط طموحة لتوسيع زراعة الحبوب في الجنوب واستثمار الأراضي الصحراوية.

التحول الرقمي، الذي شهد تقدمًا ملحوظًا خلال الأعوام الماضية، سيكون أيضًا عاملًا رئيسيًا في تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني. المشاريع الكبرى، مثل توسعة الموانئ وانجاز خطوط جديدة للسكك الحديدية، تمثل فرصة لتعزيز التجارة الخارجية وجذب الاستثمارات، مما يجعل الجزائر مركزًا تجاريًا استراتيجيًا على المستوى الإقليمي والدولي.

في هذا السياق، تضع الحكومة الجزائرية رؤية واضحة لعام 2025 ترتكز على مواصلة الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص. تسعى الجزائر إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، مع التركيز على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعد العمود الفقري لأي اقتصاد قوي.

انعكاس هذه الرؤية على حياة المواطنين سيكون ملحوظًا إذا ما تم تنفيذها بنجاح. تعزيز الأمن الغذائي سيضمن استقرار الأسعار وتوافر السلع الأساسية. زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة ستساهم في تقليل تكاليف الطاقة، وتحسين جودة الحياة في المناطق الريفية. أما الرقمنة، فستوفر للمواطنين خدمات حكومية أكثر كفاءة وشفافية، مما يعزز من الثقة بين الدولة والمجتمع.

الجزائر، التي تشهد اليوم نهضة اقتصادية في عدد من المجالات، لديها فرصة حقيقية لتحقيق قفزة نوعية في 2025. هذه القفزة تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص، والمواطنين أنفسهم، لتحقيق رؤية شاملة تعكس طموحات الوطن. العام الجديد بداية لمرحلة جديدة، وأيضًا دعوة لاستمرار العمل والتفاؤل بأن الجزائر قادرة على مواجهة التحديات واستغلال الفرص لبناء اقتصاد قوي ومستدام.