الرسوم الجمركية… سلاح ترامب لمعاقبة الدول

اقتصاد ببساطة

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض، سياسة “أمريكا أولًا” إلى الواجهة، مستخدمًا الرسوم الجمركية كأداة رئيسية في معاركه الاقتصادية.

لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ في توجيه تهديدات وفرض إجراءات ضد دول عدة، بما في ذلك كندا والمكسيك، فضلًا عن تهديده لدول مجموعة “بريكس” بفرض رسوم تصل إلى 100% في حال تخلت عن الدولار في تعاملاتها التجارية. هذه الإجراءات سرعان ما تحولت إلى قرارات اقتصادية ملموسة، كان لها تداعيات واسعة على الأسواق العالمية.

لكن كيف تؤثر هذه الرسوم الجمركية على الدول؟ وهل تحقق فعلًا الأهداف التي تسعى إليها الدولة التي تفرضها، أم أنها تؤدي إلى نتائج عكسية؟

كيف تؤثر الرسوم الجمركية على الدول؟

الرسوم الجمركية هي سلاح اقتصادي يؤثر على عدة مستويات: الاقتصاد المحلي والتجارة العالمية والتضخم، وحتى العلاقات السياسية. يمكن تقسيم تأثيراتها إلى ثلاثة محاور رئيسية:

1- التأثير على الدولة التي تفرض الرسوم الجمركية

عندما تفرض دولة ما رسومًا جمركية على الواردات، فإن الهدف الرئيسي يكون حماية الصناعات المحلية من المنافسة الخارجية. على سبيل المثال، عندما فرضت إدارة ترامب في ولايته الأولى رسومًا جمركية على الصلب والألمنيوم المستورد، كان الهدف دعم الشركات الأمريكية المنتجة لهذه المعادن، مما ساهم في رفع أسعار منتجاتها داخل السوق المحلية.

لكن الجانب السلبي لهذه السياسة يكمن في أن ارتفاع الرسوم يؤدي غالبًا إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية التي تعتمد على تلك المواد المستوردة. في عام 2018، بعد فرض رسوم بنسبة 25% على الصلب و10% على الألمنيوم، شهدت الشركات الأمريكية الكبرى مثل جنرال موتورز وفورد ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج، مما أجبرها على رفع الأسعار، وبالتالي تراجع الطلب على سياراتها.

2- التأثير على الدولة التي تفرض الرسوم الجمركية

علاوة على ذلك، قد تؤدي هذه السياسات إلى انتقام تجاري، حيث تقوم الدول المستهدفة بفرض إجراءات مضادة، مما يقلل من صادرات الدولة التي فرضت الرسوم. وهذا ما حدث عندما فرض الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك رسومًا انتقامية على المنتجات الأمريكية، مما أثر على قطاعات واسعة مثل الزراعة والصناعات الثقيلة.

بالنسبة للدول التي تواجه رسومًا جمركية، فإن التأثير يختلف تبعًا لمدى اعتمادها على السوق الذي يفرض هذه الرسوم. فمثلًا، عندما فرضت واشنطن رسومًا على الواردات الصينية خلال الحرب التجارية بين البلدين، تضررت بعض الشركات الصينية، لكن الحكومة الصينية ردّت بإجراءات تحفيزية لدعم صادراتها، مثل تخفيض الضرائب وتقديم حوافز للمصدرين.

في حالة المكسيك وكندا، أدى فرض ترامب لرسوم جمركية على منتجاتهما إلى تراجع قيمة عملاتهما مقابل الدولار الأمريكي، مما جعل صادراتهما أكثر تنافسية، لكنه أثر سلبًا على الشركات التي تعتمد على السوق الأمريكي.

أما في حالة دول “بريكس”، فإن التهديد الأمريكي بفرض رسوم قد يدفع هذه الدول إلى تعزيز شراكاتها التجارية مع أوروبا وآسيا، مما يضعف الدور الاقتصادي الأمريكي على المدى الطويل.

3- التأثير على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية

الرسوم الجمركية تؤدي غالبًا إلى تراجع التجارة العالمية، حيث تلجأ الدول إلى سياسات الحماية الاقتصادية بدلًا من الانفتاح التجاري. وهذا يضر بالدول النامية التي تعتمد على التصدير، كما يخلق حالة من عدم الاستقرار في الأسواق المالية.

على سبيل المثال، بعد فرض رسوم جمركية متبادلة بين واشنطن وبكين خلال 2018-2019، انخفض حجم التجارة بين البلدين بنسبة 15%، وتضررت سلاسل التوريد العالمية، مما أثر على شركات كبرى مثل آبل وسامسونغ، التي تعتمد على مكونات مصنعة في الصين.

وعليه، فالرسوم الجمركية سلاح اقتصادي ذو حدين، قد تحقق فوائد مؤقتة للدولة التي تفرضها، لكنها على المدى الطويل تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتراجع الاستثمارات وخلق أجواء من التوتر التجاري الدولي. فبينما يسعى ترامب لاستخدامها كأداة ضغط على خصومه وشركائه التجاريين، فإن التجارب السابقة أثبتت أن الحروب التجارية نادرًا ما تنتهي بفائز واضح، وغالبًا ما يكون الخاسر الأكبر هو الاقتصاد العالمي ككل.

هل ستستمر هذه السياسة في تحقيق أهدافها؟ أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الانقسام الاقتصادي؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.