في خضم الأزمة بين الجزائر واسبانيا، بدأت الجزائر في ارسال مؤشرات ردع اقتصادية نحو مدريد بعد يوم واحد فقط على قرارها بالتعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة قبل 20 عاما، الأمر الذي سيؤثر حتما على الإقتصاد الإسباني الذي بدأ يحصي خسائره.
وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية “باشرت السلطات الإسبانية حملة لتبرير الموقف الذي تبنته إزاء الصحراء الغربية، والذي يتنافى مع التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية كقوة مديرة للإقليم، والتي لا تزال تقع على عاتق مملكة إسبانيا إلى غاية إعلان الأمم المتحدة عن استكمال تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية”.
وتابعت الرئاسة الجزائرية القول “إن موقف الحكومة الإسبانية يعتبر منافيا للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، ويساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وبالمنطقة قاطبة”.
لا تصدير ولا استيراد من و إلى إسبانيا
وأعلنت جمعية البنوك الجزائرية، في بيان لها، عن حظر الجزائر لكل الواردات من إسبانيا اعتبارا من اليوم الخميس، حيث منعت الجمعية كافة البنوك في البلاد من أي عملية توطين بنكي لعمليات الاستيراد والتصدير مع إسبانيا ابتداء من اليوم.
وفي هذا الشأن، ثمن الخبير الإقتصادي الهواري تيغرسي في تصريح خص به موقع ” سهم ميديا” قرار الجزائر واصفا إياه بالقرار السيد والحكيم نظرا لتغيير إسبانيا لموقفها وباتت داعمة لنظام المخزن، مشيرا إلى وجود طمع إسباني للولوج إلى الصحراء الغربية عبر استثمارات.
الجزائر وورقة الضغط
وكشفت صحيفة ” ذ أوبجيكتيف ” الإسبانية في عددها الصادر اليوم الخميس، بأنّ مدريد ستتكبد خسائر تصل لما تزيد قيمته عن 6 مليار أورو كفاتورة لحجم التجارة الخارجية مع الجزائر، وذلك نتيجة تغيير رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لموقف بلاده إزاء قضية الصحراء الغربية.
وبالعودة إلى حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا، فقد بلغت قرابة 04 مليار دولار منها 02 مليار دولار صادرات الجزائر من الطاقة نحو إسبانيا. وبما أن الجزائر تملك خريطة إقتصادية مبنية على تنويع شركاءها الإقتصاديين في العالم، فإنه بإمكانها الإستغناء عن أي بلد في حال مسه بسيادتها الوطنية ومصالحها الوطنية من الناحية السياسية والإقتصادية والديبلوماسية. حسب ما أوضحه تيغرسي.
وأكد الخبير تيغرسي في سياق حديثه ل “سهم ميديا” أن الجزائر بإمكانها الولوج إلى السوق الأوروبية عبر شريكها الإيطالي والتركي. أما بالنسبة لنوعية التبادل التجاري بين الجزائر وإسبانيا فقد تجلت في اعتماد إسبانيا بشكل كبير على الطاقة الجزائرية ونظرا إلى الطلب الكبير لأوروبا والمتزايد على الغاز التي تعد مادة أساسية تزامنا وارتفاع أسعارها، جعلت الجزائر تمتلك لمواد أولية ستكون ورقة ضغط على حكومة سانشيز.
واعتبر الخبير تيغرسي أن الجزائر تطمح إلى تقليص فاتورة الإستيراد وبالتالي ستكون نقطة ضغط على إسبانيا بعد هذا القرار لما تملكه إسبانيا من مصالحها في الجزائر من متعاملين اقتصاديين ما يجعلها تتلاشى شيئا فشيء. كما سيشهد الداخل الإسباني موجة احتجاجات مناهضة لحكومة سانشيز التي أوصلت اسبانيا إلى هكذا وضع.
مشاريع اسبانية مهددة
من جانب آخر، تساءل الخبير الإقتصادي أبو بكر سلامي في تصريح ل “سهم ميديا” عن إمكانية أن يمس القرار الجزائري كل التعاملات التجارية والمالية مع اسبانيا بما فيها الأشغال، النقل، الطاقة، المواد الأولية ما سيجعل إسبانيا محرومة من مصدر استراتيجي هام في الطاقة، الأمر الذي سيوقف مشاريعها ومصالحها الإقتصادية في الجزائر أم أن القرار سيستثنى منه بعض المواد والقطاعات.
قلق اسباني
وبات ظاهر أن القرار الجزائري بالتعليق الفوري لمعاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا أقلق الأوساط السياسية في إسبانيا، حيث طلب حزب الشعب الاسباني من وزير الخارجية الاسباني، أن يقدّم توضيحا أمام البرلمان الإسباني، حول عواقب تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة مع إسبانيا.
بدوره، حمّل خابرييل روفيان المتحدث باسم هيئة الإنصاف والمصالحة اليسارية في البرلمان الإسباني، مسؤولية تداعيات القرار الجزائري إلى حكومة سانشيز. وقال روفيان أنّ تغيير حكومة مدريد لموقفها بشأن الصحراء الغربية، كان “فقدان وعي رهيبا” من طرفها.
وفي سياق ذي صلة، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، أنّ بلاده تدرس تداعيات قرار الجزائر بتعليق اتفاقية الصداقة، وتجميد التجارة الخارجية مع إسبانيا. وأوضح أن الحكومة ستنفّذ استجابة “هادئة وبناءة” تجاه قرار الجزائر، لصالح المصالح الإسبانية.
سلاح الطاقة
وتتخوف السلطات الإسبانية من أن يشمل القرار الجزائري مجال الطاقة الذي يعد شريان اقتصادها، حيث استبعدت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا في مقابلة مع محطة الإذاعة الإسبانية “أوندا سيرو ” أن يشمل ذلك، قائلة أنها واثقة من أن شركة الغاز الجزائرية “سوناطراك” ستحترم عقودها التجارية لتوريد الغاز الطبيعي إلى المرافق الإسبانية، رغم الخلاف الدبلوماسي. وأضافت في سياق تصريحها للإذاعة الإسبانية “لا نعتقد أنه يمكن مخالفة (العقود) بشكل أحادي بقرار من الحكومة الجزائرية”.