افتتاحية سهم الشعب يختار الاستمرارية ومواصلة البناء

الأمن الغذائي..ماذا نعني به؟ ولماذا يعجز العالم عن تحقيقه؟

مفاهيم سهم

منذ بدء الخليقة، شكلت مسألة الأمن الغذائي، وبغض النظر عن مسمياتها عبر التاريخ، قضية جوهرية انصّب حولها التفكير والاهتمام البشري، ومع التطور الحضاري والتزايد السكاني المطرد، ظهرت أهمية التنمية الزراعية المتطورة، المدروسة، المخططة والإستراتيجية كأهم مكمن من مكامن الأمن الغذائي.

ووفقًا للتقرير الأخير عن “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم”، الصادر بالاشتراك بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية، فإن زهاء 690 مليون شخص قد عانوا من نقص التغذية المزمن في عام 2019.

وتعد أفريقيا المنطقة التي سُجل فيها أعلى معدل لانتشار نقص التغذية، حيث تأثرت به نسبة 18.8 في المائة من السكان في عام 2019، أي 239.6 مليون شخص، أما آسيا فهي المنطقة التي تحتضن أكبر عدد من الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية (378.7 مليون شخص).

وفي عام 2020، أدت عواقب أزمة الجراد الصحراوي في شرق أفريقيا وجائحة فيروس كورونا العالمية إلى تفاقم هذه الأرقام..

ومن أجل فهم أبعاد هذه المسألة، لا بد من الإحاطة والتعريف ببعض المصطلحات التي تسهم في إزالة اللبس عنها.

الأمن الغذائي

مفهوم الأمن الغذائي المطلق والنسبي
مفهوم الأمن الغذائي المطلق والنسبي

يعبر مصطلح الأمن الغذائي المطلق عن إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويعرف أيضا بالأمن الغذائي الذاتي.

ويؤخذ على هذا التحديد المطلق الواسع للأمن الغذائي أنه غير واقعي، كما أنه يفوت على الدولة أو القطر المعني إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية…

أما الأمن الغذائي النسبي فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أو جزئيا، وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام.

وبناء على هذا التعريف، فإن مفهوم الأمن الغذائي النسبي لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية، بل يقصد به أساسا توفير المواد اللازمة لتوفير هذه الاحتياجات من خلال منتجات أخرى يتمتع فيها البلد المعني أو البلدان المعنية بميزة نسبية على بلدان أخرى، وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين.

ويعتبر المفهوم أعلاه بشقيه مفهوما تقليديا بدائيا، فهو يعتمد على فكرة معالجة الأزمة أي أنه يعتبر سياسة ردود افعال (وذلك بملء البطون).

أما مفهوم منظمة (الفاو) فيعرف الأمن الغذائي على أنه “توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من اجل حياة صحية ونشطة”، وعند هذا الحد نستنتج ضرورة توفر البعد النوعي في الغذاء الى جانب الكمي مع اشارة الى الاستمرارية، التي تعني الاستدامة وهذا يعني ان القضية ليست ردود افعال تجاه أزمة.

ويحدد في هذا التعريف أربع ركائز للأمن الغذائي، وهي:

  • إمكانية الحصول مادياً واقتصادياً واجتماعياً على الأغذية
  • توافر الأغذية
  • جودة المنتجات من الناحيتين الصحية والغذائية
  • الانتظام في إمكانية الحصول على الأغذية وتوافرها على مدار السنة وجودتها.

ومن منظور استراتيجي، نشير إلى أنه لا بد من نظرة الى البنية التحتية اللازمة للأمن الغذائي بشكل كلي، فالعملية لا تتوقف عند انتاج الغذاء فحسب، بل تتعداها إلى اجراء المعالجات الضرورية، ومرونة التعامل مع حجوم الانتاج عبر عملية التخزين، وايجاد مرونة عالية لعملية التسويق.

ويمر ذلك عبر سيرورة منهجية، إذ تعد الزراعة والثروة الحيوانية ركيزة أساسيَّة في المرحلة الاولى، وهي تتطلب الانتاج الواسع الذي يضمن الوفرة، مع التحسين الدائم النوعية والكمية، إضافة الى إيجاد عملية تشابكية بين الزراعة والصناعات الغذائية، مع الإشارة إلى أن فاعلية هذه المرحلة تتناسب عكسيا مع نسبة الاعتماد على الواردات.

أما المرحلة الثانية والمهمة جدا للتعامل مع الانتاج في المرحلة الاولى، اذ لا بد من طاقة تخزين ملائمة مرنة لها قدرة استيعاب، خصوصا المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والبطاطا والتمور بالنسبة للجزائر التي تحتاج الى تقنيات تخزين متطورة.

وأخيرا مرحلة التوزيع والوصول الى المستهلك عبر التسويق وهي عملية مترابطة بالبعد المكاني وأساليب النقل وطرق عرض السلع.

الغذاء الآمن:

الغذاء الآمن
الغذاء الآمن

عرف العالم ابتداء من منتصف الثمانينات أمنا غذائيا نسبيا بسبب تزايد استخدام الكيماويات في الزراعة الحديثة، إلا أن ذلك جلب مخاوف كثيرة للمستهلكين، وبدأ الحديث عن طريقة جديدة لزيادة الإنتاجية أكثر أمانا لصحة الإنسان كالزراعة البديلة والمنتجات الآمنة بيولوجيا.

إن مفهوم منظمة الفاو للغذاء الآمن  يعني كل الظروف والمعايير الضرورية اللازمة – خلال عمليات إنتاج وتصنيع وتخزين وتوزيع وإعداد الغذاء- لضمان أمن وسلامة الغذاء وأن يكون موثوقا به وصحيا وملائما للاستهلاك البشري، فالمفهوم متعلق بكل المراحل من مرحلة الإنتاج الزراعي وحتى لحظة الاستهلاك من طرف المستهلك الأخير.

وبالنظر إلى علم التسويق “Marketing” في مجال السلع الغذائية نجد أن الاهتمام في المرحلة الأولى كان منصبا على توفير السلع الغذائية، أي أن الاهتمام كان منصبا على الكم لأن الطلب كان يفوق العرض. ثم بدأت بعد ذلك مرحلة الاهتمام بالجودة والنوعية أو الموازنة بين الكم والكيف في السلع الغذائية. وحاليا في المرحلة الأخيرة بدأ التركيز على الأبعاد الصحية للسلع الغذائية أو ما يعرف بالغذاء الآمن، وزاد هذا الاهتمام أكثر بعد ظهور بعض الاولى التي كان مصدرها الحيوان (جنون البقر، انفلونزا الطيور..).

الاكتفاء الذاتي الغذائي

الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي
الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي

الاكتفاء الذاتي الغذائي يعني القدرة على تحقيق الاعتماد الكامل على الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجات المجتمع الغذائية محليا، إلا أن هذا المفهوم أثيرت حوله مجموعة من التحفظات أهمها:

  • الطابع الأيديولوجي لهذا المفهوم.
  • نسبية مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي.
  • إمكانية تحقيق هذا الهدف عمليا.
  • مدى العقلانية الاقتصادية لهذا المفهوم.

فمفهوم الاكتفاء الغذائي الكامل يعتبر مفهوما عاما وغير واضح إذا لم يوضع في إطار جغرافي وتاريخي محدد، كما أنه في بعض الأحيان يحمل شحنة أيديولوجية.

ويتعلق التحفظ الثاني بنسبية مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي، هل هو عند الحد الأدنى في توفير الاحتياجات الغذائية أو الحد المتوسط أو الحد الأعلى؟ فلابد من ربط هذا بالمستوى الاقتصادي والمعيشي للمجتمعات أو المجتمع موضع الدراسة.

كما يعتبر التحفظ الثالث أن الاكتفاء الذاتي الغذائي الكامل قد يكون هدفا وطنيا نبيلا، إلا أن تحقيقه مرتبط بالدرجة الأولى بالموارد المتاحة وقدرتها على الوفاء بالاحتياجات. وقد يقرر أحد البلدان المضي في تحقيق هذا الهدف، إلا أن ذلك يكلفه تضحيات اقتصادية واجتماعية باهظة إذا ما قورنت بحلول أكثر وسطية.

أما التحفظ الأخير فيتعلق بمدى العقلانية في القرار الاقتصادي القاضي بسياسة الاكتفاء الذاتي الغذائي الكامل، إذ الموارد الزراعية محدودة وقطاع الزراعة هش لأنه يرتبط بصورة مباشرة بالتغيرات المناخية مما يجعل التعويل عليه بصورة مطلقة قرارا اقتصاديا غير رشيد.

كما أنه في ظل العولمة الاقتصادية وما رافقها من تحرير التبادل التجاري في إطار المنظمة العالمية للتجارة، فإن معيار الاختيار الرشيد يميل إلى اعتبار التكلفة الأفضل بغض النظر أو دون تمييز بين إنتاج محلي أو إنتاج خارجي. وهناك اعتبار ثالث يتعلق بارتفاع مستويات المعيشة وتعدد متطلبات وأذواق المستهلكين لدرجة يصعب معها أن تنتج كلها محليا.

ورغم وجاهة التحفظات حول مفهوم الاكتفاء الغذائي الذاتي الكامل فإن اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي الكامل أو الجزئي من السلع الاستهلاكية يعتبر خيارا إستراتيجيا يجب على الدول العربية عدم التنازل عنه مهما كلف من ثمن.

وعلى العموم فإن الباحثين الاقتصاديين يعتبرون أنه في ظل التحولات الاقتصادية العالمية وما رافقها من تحرير التبادل التجاري فإن مفهوم الاكتفاء الغذائي الذاتي الكامل مفهوم   مرفوض لأنه يؤدي إلى إيقاف جميع العلاقات التجارية الخاصة بالمواد الغذائية مع الدول الأخرى.

الزراعة العضوية

"<yoastmark

الزراعة العضوية هي نظام إنتاجي يتحاشى أو يستبعد المخصبات المركبة صناعيا والمبيدات الحشرية ومنظمات النمو وإضافات العلف الحيواني.

وتعتمد نظم الزراعة العضوية إلى أقصى حد ممكن على نظام الدورات الزراعية (تعاقب المحاصيل) ومخلفات المحاصيل والسماد الحيواني والبقول والأسمدة الخضراء والمخلفات العضوية للمزرعة والأساليب البيولوجية -كمكافحة الآفات- للمحافظة على إنتاجية التربة الزراعية وطبيعتها وتوفير العناصر الغذائية للنبات ومكافحة الحشرات والآفات الأخرى.

غير أنه تجب الإشارة إلى أن الكف عن استخدام الكيماويات ليس على إطلاقه بل يعني تحاشي الاستخدام المباشر والروتيني للكيماويات الجاهزة، وعندما يكون استخدام هذه المركبات والمواد ضروريا فإنه يلزم استخدام أقل المعدلات إخلالا بالبيئة، كما يجب الانتباه إلى أن تقييم الزراعة البديلة أو الزراعة العضوية يجب أن يكون على أساس تأثير هذه الزراعة على الإنتاجية وعلى المنتًج الغذائي وعلى البيئة.

فعلى مستوى الإنتاجية تبين بعض الدراسات أن الإنتاجية الزراعية تتراجع بنسبة 24% عند استخدام الزراعة العضوية بدل الزراعة التقليدية المعتمدة بالأساس على المخصبات المركبة صناعيا. أما فيما يتعلق بالمنتَج الغذائي فإن الزراعة العضوية تعتبر أقل احتواء على المبيدات الحيوية والنترات من الزراعة التقليدية، كما تعتبر أغنى بالبروتينات والفيتامينات والسكريات والحديد والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور.

 التكثيف الزراعي

التكثيف الزراعي
التكثيف الزراعي

يعرف التكثيف الزراعي بأنه تكثيف العائد من استخدام الموارد، ومن المعروف أن محددات التوسع الزراعي هي الأرض والماء، لذا فإن التكثيف الزراعي يتم عن طريق تعظيم الإنتاج لوحدة المساحة من الأرض أو وحدة المتر المكعب من الماء أو كليهما. إلا أنه في بعض الحالات يعتبر تكثيف إنتاجية عنصر العمل ورأس المال من عوامل التكثيف الزراعي.

ويتم التكثيف الزراعي من خلال عدة آليات:

الأولى: زيادة إنتاجية المحاصيل النباتية والحيوانية لوحدة المساحة من الأرض والمتر المكعب من الماء، وترتكز الجهود المبذولة لزيادة إنتاجية المحاصيل النباتية والحيوانية على تربية أصناف نباتية جديدة أو تربية سلالات حيوانية جديدة ثم إدخال هذه الأصناف والسلالات الزراعية في ظروف إنتاج أفضل تمكنها من تحقيق ما تتيحه لها طاقاتها الوراثية.

الثانية: زيادة المحاصيل المزروعة في نفس مساحة الأرض في نفس السنة، أو ما يعرف بتكثيف المحصول. إلا أن هذا التكثيف لا يمكن أن يتم إلا بعد توافر مجموعة من العوامل مثل الظروف المناخية الملائمة ومياه ري كافية وكفاءات بشرية وخصوبة الأرض وشروط متعلقة بطبيعة المحاصيل.

الثالثة: التحول من زراعات أقل قيمة نقدية إلى أخرى أعلى قيمة.

الرابعة: صناعة الزراعة، وهي درجة عالية من التكثيف الزراعي، وتتم عن طريق زراعة العديد من المحاصيل في بيوت ضخمة وظروف خاضعة للتحكم فيها من الحرارة والرطوبة والإضاءة ومكافحة الأمراض.

 

كتب بواسطة:

أستاذة سايح سليمة حاكي 

خبيرة في الإقتصاد والتحليل الاستراتيجي