احتلت الجزائر صدارة قائمة مصدري الغاز إلى إسبانيا خلال شهر أوت الماضي، بنسبة بلغت 34.6% من إجمالي واردات الغاز الإسبانية، حيث سجلت صادرات الجزائر نحو 8.87 تيراواط/ساعة من الغاز الطبيعي و0.49 تيراواط/ساعة من الغاز المسال. تأتي هذه الصدارة في وقت تشهد فيه أسواق الطاقة العالمية تغيرات كبيرة، على خلفية تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، والسياسات الطاقوية الناجحة التي تبنتها الجزائر في السنوات الأخيرة.
وشهدت واردات إسبانيا من الغاز الجزائري زيادة سنوية كبيرة. ففي شهر أوت من العام 2023، بلغت واردات إسبانيا نحو 7.8 تيراواط/ساعة من الغاز، مما يعني أن صادرات الجزائر هذا العام زادت بفارق قدره 1.07 تيراواط/ساعة. هذا النمو المستمر يعكس قدرة الجزائر على تعزيز موقعها كمورد رئيسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية العالمية المتقلبة.
تفوق على روسيا والولايات المتحدة
وتمكنت الجزائر من تجاوز كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في صادرات الغاز إلى إسبانيا. روسيا، التي طالما كانت موردًا رئيسيًا للغاز إلى أوروبا، شهدت انخفاضًا كبيرًا في حصتها بسبب العقوبات المفروضة عليها نتيجة الأزمة الأوكرانية. حيث بلغت نسبة واردات الغاز الروسي إلى إسبانيا 23.6%، مقارنة بـ 18.2% للولايات المتحدة. وهو التراجع الذي استغلته الجزائر وزادت من حصتها بشكل ملحوظ.
اقرأ أيضا: الجزائر تعزز سيطرتها على سوق الطاقة: من “خزان” الغاز إلى “بطارية” أوروبا
سياسة طاقوية ناجعة
وتلعب السياسات الطاقوية الجزائرية دورًا محوريًا في تحقيق هذا التفوق. فقد استثمرت الجزائر بكثافة في تطوير بنيتها التحتية لتصدير الغاز، بما في ذلك تحسين خطوط الأنابيب والقدرات اللوجستية التي تمكنها من تصدير الغاز إلى أوروبا بفعالية وكفاءة. كما زادت الحكومة الجزائرية من إنتاج الغاز الطبيعي، تماشيًا مع الطلب المتزايد في الأسواق الأوروبية.
وعلاوة على ذلك، تحافظ الجزائر على عقود طويلة الأجل مع إسبانيا، وهي شراكات تمتد لعقود. هذا التعاون الوثيق ساهم في ضمان تدفق مستقر للغاز الجزائري، حتى في ظل الأزمات العالمية. وفي وقت تتجه فيه أوروبا للبحث عن مصادر بديلة للطاقة بعيدًا عن الاعتماد على روسيا، كانت الجزائر الخيار الأكثر موثوقية واستقرارًا.
تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية
كما لعبت الأزمة الروسية الأوكرانية دورًا كبيرًا في تغيير خريطة إمدادات الطاقة إلى أوروبا. فمع فرض العقوبات الغربية على موسكو وتراجع صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، باتت الدول الأوروبية تبحث عن بدائل موثوقة لتعويض هذا النقص. الجزائر كانت في موقع استراتيجي للاستفادة من هذا الوضع، بفضل قربها الجغرافي واستقرار إنتاجها من الغاز.
ودفع تراجع واردات الغاز الروسي وعدم استقرار أسعاره الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا، إلى تعزيز علاقاتها مع موردين آخرين مثل الجزائر. وفي الوقت نفسه، ورغم المنافسة القوية من الولايات المتحدة. استفادت الجزائر من موثوقيتها وتكاليف الشحن الأقل والمسافة الأقرب إلى الأسواق الأوروبية، مما منحها ميزة تنافسية إضافية.
إقرأ أيضا: بعد النفط والغاز…هل ترفع الجزائر تحدي انتاج وتصدير “الهيدروجين الأخضر”؟
الآفاق المستقبلية
ومن المتوقع أن تستمر الجزائر في تعزيز موقعها كمصدر رئيسي للغاز إلى إسبانيا وأوروبا بشكل عام. ومع التوجه الأوروبي نحو تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، تُعتبر الجزائر أحد أهم البدائل الاستراتيجية لتلبية احتياجات القارة من الطاقة. ومع استمرار الجزائر في تطوير قطاع الطاقة لديها، بما في ذلك استثمارات في الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، فإنها تبدو في وضع جيد للاستمرار في قيادة سوق الغاز في المنطقة.
التحديات المستقبلية
رغم هذا النجاح، تواجه الجزائر بعض التحديات التي قد تؤثر على قدرتها على الاستمرار في تصدر صادرات الغاز. من بين هذه التحديات الحاجة إلى تطوير أكبر للبنية التحتية. بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من مصادر الطاقة الأخرى، مثل الغاز المسال القادم من الولايات المتحدة. كما أن التزام الجزائر بالمعايير البيئية وتخفيض الانبعاثات سيكون من بين العوامل التي يجب مراعاتها في المستقبل.
ويعد نجاح الجزائر في تصدر قائمة مصدري الغاز إلى إسبانيا نتيجة طبيعية لاستراتيجيات طاقوية ناجحة. فضلًا عن استغلال الظروف الجيوسياسية العالمية. وبفضل استثماراتها في البنية التحتية وزيادة الإنتاج، تمكنت الجزائر من تجاوز روسيا والولايات المتحدة. لتصبح شريكًا رئيسيًا لإسبانيا في مجال الطاقة. ومع استمرار الطلب الأوروبي على الغاز المستقر. يبدو أن الجزائر ستكون في موقع استراتيجي للاستفادة من هذا الطلب في السنوات المقبلة.