تعتبر تنمية الصادرات خارج قطاع المحروقات واحدة من أهم الأولويات الاقتصادية التي تسعى الجزائر لتحقيقها في السنوات الأخيرة. وفي إطار هذا التوجه، بذلت السلطات العمومية جهودًا مكثفة لدعم المتعاملين الاقتصاديين وتطوير صادراتهم، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد المصدرين وحجم الصادرات.
وقد لعبت هذه الإجراءات والإصلاحات دوراً محورياً في تعزيز دور الجزائر في الأسواق الدولية، مع تركيز خاص على تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد المفرط على المحروقات.
نمو عدد المصدرين
وشهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عدد المصدرين، حيث ارتفع عددهم من 800 في عام 2020 إلى حوالي 2000 مصدر في عام 2024، وفقاً لتقديرات المديرية الجهوية للوكالة الوطنية لترقية الصادرات (ألجكس).
هذا النمو اللافت يعكس نجاح سلسلة التدابير التي اتخذتها الدولة لدعم المتعاملين الاقتصاديين وتشجيعهم على التوجه نحو الأسواق الخارجية. وقد كان هذا الدعم ملحوظاً من خلال المبادرات الرامية إلى توفير بيئة تجارية ميسرة وتشجيع الابتكار في مختلف القطاعات الاقتصادية.
تشجيع المصدرين شمل أيضاً الشركات الصغيرة والمتوسطة التي استفادت من تسهيلات كبيرة في الوصول إلى الأسواق الخارجية. وقد أصبح لدى الجزائر قاعدة متينة من المصدرين الوطنيين القادرين على المنافسة في الأسواق الدولية، ما يعزز من قدرات الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.
إقرأ أيضا: تبون ورؤية “الجزائر المنتصرة”: مسار التحول نحو قوة اقتصادية واعدة
اصلاحات إقتصادية
وساهمت الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها في تحسين الأداء التصديري للعديد من القطاعات الحيوية. من بين هذه القطاعات، سجل قطاع التصنيع نمواً بنسبة 55%، مما يدل على قدرة الجزائر على إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية يمكن تصديرها إلى الأسواق العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، شهد قطاع المنتجات الزراعية زيادة بنسبة 11%، في حين ارتفعت صادرات منتجات الصيد البحري بنسبة 66%. هذا الزخم يعكس التقدم المحرز في تحويل الاقتصاد الجزائري نحو تنويع الصادرات وتخفيف الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للعائدات.
من جهة أخرى، أظهرت هذه الإصلاحات قدرتها على تحفيز الاستثمار في القطاعات غير التقليدية، مما يعزز من قدرة البلاد على مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية والمستقبلية.
هذا النجاح لم يكن ليتم لولا التعاون الوثيق بين السلطات العمومية والمتعاملين الاقتصاديين الذين استفادوا من تسهيلات وتشريعات مشجعة للاستثمار والتصدير.
رؤية الرئيس تبون لتعزيز الصادرات
وفي إطار تعزيز الصادرات خارج المحروقات، أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن مجموعة من التدابير الهامة التي تهدف إلى إعادة رسم خريطة التجارة الخارجية للبلاد.
تشمل هذه التدابير توجيهات لتحرير صادرات بعض القطاعات الإنتاجية التي تجاوزت احتياجات السوق المحلية، مثل الزيت والسكر والعجائن. إضافةً إلى ذلك، تأتي مبادرات إنشاء قواعد لوجستية مخصصة للتصدير في مختلف الأقطاب الاقتصادية كجزء من رؤية شاملة لتعزيز مكانة الجزائر كمصدر موثوق في الأسواق الإقليمية والعالمية.
التوجيهات الرئاسية لم تتوقف عند تحرير القطاعات الإنتاجية فحسب، بل شملت أيضاً توسيع شبكة البنوك الجزائرية في الخارج، مع التركيز بشكل خاص على إفريقيا.
هذا التوجه يعزز من قدرة المصدرين الجزائريين على استغلال الفرص التجارية في الأسواق الإفريقية الصاعدة. كما يشمل التوسع فتح خطوط تجارية جوية وبحرية جديدة، مما يسهم في تسهيل عمليات التصدير وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الجزائرية على المستوى الدولي.
إقرأ أيضا: المزارع النموذجية…هل تحقق الاكتفاء الغذائي للجزائريين؟
تعزيز الاستثمارات والتوزيع
في إطار الاستراتيجية الشاملة لدعم الصادرات، تم فتح المجال أمام القطاع الخاص والأجنبي للاستثمار في شبكات التوزيع الكبرى، ما يعزز من إمكانيات الوصول إلى أسواق جديدة.
كما سمحت الحكومة للمصدرين باستخدام نظام “التحسين المؤقت”، الذي يمكّنهم من رفع نسبة صادراتهم في المنتجات ذات القيمة المضافة العالية. هذا النظام يساهم في تحفيز الابتكار وتحسين جودة المنتجات المصدرة، ما يزيد من جاذبيتها في الأسواق العالمية.
هذا التوجه الاستثماري يعكس رؤية الجزائر لتعزيز الاستدامة الاقتصادية من خلال تنويع مصادر الدخل وفتح آفاق جديدة للتجارة الخارجية.
ويساعد الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية وتوسيع شبكات التوزيع المصدرين على تحسين أداءهم التصديري، كما يوفر فرصاً اقتصادية جديدة للمستثمرين الوطنيين والأجانب.
وعليه، تمثل الجهود التي تبذلها الجزائر في مجال تنمية الصادرات خارج المحروقات خطوة هامة نحو تحقيق التنويع الاقتصادي المستدام. من خلال سلسلة من الإصلاحات والمبادرات، تمكنت البلاد من تحقيق نمو ملحوظ في عدد المصدرين وحجم الصادرات، ما يعزز من مكانتها الاقتصادية على الساحة الدولية.
وبفضل التوجيهات الرئاسية والمبادرات الحكومية، تتجه الجزائر نحو مستقبل اقتصادي أكثر تنوعاً واستقراراً، بعيداً عن الاعتماد التقليدي على المحروقات.