تُوّج مطار شانغي في سنغافورة بلقب أفضل مطار في العالم لعام 2025 خلال حفل توزيع جوائز “سكاي تراكس” العالمية، التي تُعد من أرفع الجوائز في قطاع الطيران. هذا التتويج، الذي يُعد الثالث عشر في تاريخ المطار، جاء نتيجة رؤية متكاملة تجمع بين البنية التحتية الفائقة والخدمات الذكية والتجربة الاستثنائية التي يقدمها لرواده من مختلف أنحاء العالم.
تلعب المطارات الحديثة دورًا محوريًا في تعزيز صورة الدول ودعم اقتصاداتها، حيث تحوّلت إلى مراكز حضرية متكاملة تجمع بين التكنولوجيا، الراحة، والخدمات الذكية. وقد أصبحت تجربة المسافر أحد أهم المعايير التي تُقاس بها جودة هذه المنشآت، في ظل تنافس عالمي متصاعد على تقديم الأفضل.
في هذا السياق، بات الابتكار عاملًا حاسمًا في تطوير المطارات، سواء من حيث الهندسة المعمارية أو تسهيل إجراءات السفر أو تقديم خدمات ترفيهية وتجارية غير مسبوقة. وتُعد المطارات التي تدمج التقنية مع الجمال والوظيفة الأكثر قدرة على كسب رضا المسافرين والتميّز في التصنيفات الدولية.
ويُجسد مطار شانغي في سنغافورة هذا النموذج بأبهى صوره، حيث أصبح عنوانًا للتفوق في صناعة الطيران المدني، ومثالًا يُحتذى به في الجمع بين البنية الفائقة والتجربة الإنسانية المتكاملة. فما الذي يجعل هذا المطار يحافظ على صدارته العالمية عامًا بعد آخر؟
تجربة سفر لا مثيل لها
منذ لحظة دخول المسافر إلى مطار شانغي، تبدأ رحلة مختلفة كليًا عن أي مطار آخر، بفضل مرافقه الاستثنائية التي تشبه المدن الذكية المتكاملة. أبرزها “جوهرة شانغي” (Jewel Changi)، وهي مركز ترفيهي وتجاري ضخم يربط بين صالات المطار، ويضم الشلال الداخلي الأطول في العالم بارتفاع 40 مترًا، وسط غابة داخلية من النباتات الاستوائية. هذه التحفة المعمارية وحدها أصبحت وجهة سياحية بحد ذاتها داخل المطار.
تتعدى تجربة مطار شانغي المشهد الجمالي، إلى خدمات مصمّمة خصيصًا لراحة المسافرين من جميع الأعمار. فالمطار يوفّر صالات سينما مجانية، وحدائق فراشات وحدائق عباد الشمس، بالإضافة إلى أماكن مخصصة للراحة ومساحات ألعاب للأطفال. كما يضم أكثر من 280 متجرًا ومطعمًا، ما يحوّل وقت الانتظار إلى تجربة ترفيهية كاملة.
وقد ساهمت هذه الخصائص في رفع معدل رضا المسافرين، حيث يُعد شانغي واحدًا من أكثر المطارات تكرارًا للزيارة، ليس فقط لسفر وإنما أيضًا للترفيه والتسوّق. هذه المميزات مجتمعة أكسبته جوائز عديدة، منها أفضل مطعم مطار في العالم، وأفضل بيئة صحية وخدمية للمسافرين، إلى جانب لقب أفضل مطار في آسيا لعام 2025.
الابتكار والتكنولوجيا في خدمة المسافرين
يتفوق مطار شانغي في قدرته على توظيف أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لخدمة تجربة المسافر، حيث تُستخدم البوابات الذكية المعتمدة على البيانات البيومترية لتسهيل إجراءات السفر، بدءًا من تسجيل الوصول وحتى صعود الطائرة، مما يقلص من زمن الانتظار ويعزز انسيابية التنقل داخل المطار.
كما تبنّى المطار نظام “السفر دون جواز” الذي يعتمد على التعرف على الوجه والبصمة في مختلف مراحل الرحلة، وهو ما جعله من أوائل المطارات في العالم التي تطبّق هذا النظام بشكل متكامل، بما يعكس التزامه بتسهيل الإجراءات وضمان الأمان في الوقت ذاته.
وتمتد الابتكارات إلى تطبيقات الهاتف التي توفر معلومات لحظية حول الرحلات، الخرائط التفاعلية، عروض التسوق، وحتى أوقات الذروة في صالات الانتظار، مما يمنح المسافر سيطرة كاملة على تجربته داخل المطار، ويجعله شريكًا في إدارة وقته واحتياجاته.
نمو مستدام وتوسعات في الأفق
ويواصل مطار شانغي تطوير بنيته التحتية ضمن خطة توسعية طموحة تهدف إلى تعزيز قدرته الاستيعابية لمواكبة النمو المتزايد في أعداد المسافرين. وتشمل هذه الخطة إنشاء المحطة الخامسة (Terminal 5)، والتي ستكون واحدة من أكبر محطات المطارات في العالم عند اكتمالها، بقدرة استيعابية تتجاوز 50 مليون مسافر سنويًا، ما سيرفع القدرة الإجمالية للمطار إلى أكثر من 130 مليون مسافر سنويًا.
وتتميز هذه التوسعة برؤية تدمج بين التطور العمراني والاستدامة البيئية، حيث يجري تصميم المحطة الجديدة بأنظمة تهوية طبيعية وتوفير الطاقة باستخدام مصادر متجددة، إلى جانب مساحات خضراء واسعة وحدائق داخلية تشبه بيئة “جوهرة شانغي”، بما يعكس التزام سنغافورة بالتحول الأخضر حتى داخل قطاع النقل الجوي.
كما يُركز المطار على الابتكار في خدمات الدعم اللوجستي والشحن الجوي، بما في ذلك تطوير ممرات مخصصة للطائرات الذكية، وأنظمة إدارة الأمتعة عالية الكفاءة، ما يجعله مؤهلاً ليكون مركزًا عالميًا متكاملًا للسفر والتجارة. ومن شأن هذه الرؤية أن تحافظ على مكانة المطار كمحور رئيسي للنقل الجوي في آسيا والعالم.
من خلال مزيج فريد من البنية التحتية المتقدمة، والخدمات الذكية، والرؤية التوسعية المستدامة، يرسّخ مطار شانغي في سنغافورة مكانته كأيقونة عالمية في صناعة الطيران. لم يكن تتويجه المتكرر بجائزة “أفضل مطار في العالم” مجرد نتيجة لجمال التصميم أو كفاءة التشغيل، وإنما ثمرة فلسفة متكاملة تضع راحة المسافر في قلب كل تفصيلة. وبينما تتجه المطارات حول العالم إلى محاكاة هذا النموذج، يواصل شانغي ريادته، رافعًا سقف التوقعات لتجربة السفر الحديثة.